تبديل المفاهيم
بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
الحمد لله على منّه وكرمه وتكريمه لعقل الإنسان الذي سخّره للتفكير والتطوير وما وصلنا له اليوم من علمٍ لتسيير الحياة بشكلٍ أسهلَ وأسرعَ ، وما أنعمه علينا من مواقع التواصل الإجتماعي التي سهّلت للإنسان الكثير إن استخدمه لدينه ودنياه في ما هو صحيح، ولكن المتأمل للحال في مواقع التواصل الإجتماعي اليوم سيرى العجب العجاب وإلى ما وصلنا إليه من تفكير وتتبع أفكار وعقائد خاطئة وغربية بحته يتعجب لها كل ذو عقلٍ سليم، من تبديل للمفاهيم واللهث وراءها وتلميعها والرضا بها دون أي استنكار أو اعتراض إلا ما رحم الله وهذا إن دل فإنما يدل على خلو وفراغ العقول والوازع الديني.
فيا أولي الألباب ويا أولي النُّهى البَدار البَدار بأبنائكم وعوائلكم ومجتمعاتكم لا تتزعزع عقائدنا ومفاهيمنا أمام هذا الكمّ الجارف من المفاهيم الضالّة المنحرفة عن الصواب ، فسابقاً تأثير الإعلام المرئي لا يُذكر ولا يُقاس أمام السويعات القليله التي يقضيها في مشاهدة التلفاز ، ولكن الآن أصبح التأثير بنسبة كبيرة لأن الأغلب إلا مارحم ربي أصبحت المواقع روتين حياة مِن يصبح إلى أن يُمسي يغذي عقله بالغثّ والسمين ، والخطر الأكبر يكمن في أبنائنا ومستقبل الأمة حين تكون هذه المواقع هي التي تشكل حياتهم وخصوصاً في ظل غياب الوعي الأسري والمجتمعي وتصحيح هذه المفاهيم.
فنناشد كل ذو قلبٍ سليم مُحبٍ للدين أن يكون عوناً ويداً حانيةً لفلذاتِ أكبادنا وأن ينتشلهم من هذا الغرق في بحور الضلال والأهواء وأن ينشر الوعي والدين والعقائد والمفاهيم الصحيحه فكل راعٍ مسؤول عن رعيته ؛ الوالدين، المعلمين، الأئمة .
قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ » [صحيح البخاري]
فمن المفاهيم المعكوسة في هذه المواقع:
١- الحرية الشخصية نعم الحريه مطلب وشرعه الله للمسلم ، فالمسلم البالغ العاقل له حرية التصرف بأفعاله وأقواله وماله وما يملك ولكنَّ الله قيّدها باتباع أمره وليس باتباع أهوائه وبشرط أعظم أن لا يلحق بنفسه وبغيره الضرر قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: « لا ضرر ولا ضرار » [صححه الألباني]
ليس كما زعموا أن الحريه له مطلق العمل دون حسيب أو رقيب ويقع عبداً لأهواء الشيطان ويضر نفسه وغيره.
وليس الحريه أن يختار أي مذهب أو ملة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله يرضى لكم ثلاثا ، ويسخط لكم ثلاثا ، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم…. » [صححه الألباني]
٢- التسامح مع الأديان إن دعوة الإسلام إلى المسامحة شيء معروف لكنه ليس ذلاً ولا تنازلاً عن شيء من الدين، والكفار لا يُعامَلون في الشريعة معاملةً واحدةً، لأنها قائمة على العدل، فهم أنواع، فمنهم كفار محاربون وكفار مسالمون، فالكفار المحارِبون لا يجوز أن يُفعل لهم معروف، ولا نوع من البر، ولا الصلة، ما داموا قائمين بالحرب، ﴿ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الممتحنة: 9]
ولا يقبل أي دين غير الإسلام. ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19] ،
﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ﴾ [آل عمران: 85].
٣- المساواة بين الجنسين كما زعموا ولكن القصد مخالفة الدين ، وإن كانت هي مساوية للرجل بالفعل في الإسلام ، لكن بنيتها الجسمية والعقلية والانفعالية تختلف عن بنية الرجل ، لا اختلاف نقص ولكن اختلاف تكامل، هي تُكمّله وهو يُكمّلها وهذا الذي خصّه بها الدين الحنيف وأعلى شأنها به.
﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ﴾ [آل عمران: ٣٦]
٤- إبداء الرأي ولو لم يستند على عِلمٍ وفهم، أي جاهل يأتي ويُبدي رأيه في أمورٍ لا تخصه وأمور لا تقبل آراء الأهواء ، فيجب التفريق بين إبداء رأي على بيّنة وإبداءُ رأي عن جهل، وإبداء رأي في علوم الدنيا التي تقبل التغيير وإبداء الرأي في علوم الدين الثابتة.
قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36]
٥- تغيير المصطلحات الشرعية واستصغارها، فقد سهّلوا الزنا والعياذ بالله تحت مسمى علاقات وحب، والمجاهرة بالمعاصي تحت مسمى مشاهير، والتعليقات بين الجنسين دون داعي تصل إلى عواقب وخيمه وغيرها الكثير.
وإن التلاعب بالمصطلحات الشرعية من أعظم ما يسعى إليه أعداء الدين، فمما يتعيّن الإعتناء به معرفةَ حدودِ ما أنزلَ اللهُ على رسولِه، وعندما يُحرِّم علينا الربا فنحن نسميه باسمه “الربا”، وعندما يحرِّم علينا الخمر فنحن نسميه باسمه الشرعي “الخمر”.
وتسمية المنكر بغير اسمه كلما ظهرت المنكرات وكثُر أربابها وشاعت الرذيلة وأميتت الفضيلة كان ذلك من أسباب تضييع الشريعة، ومن هذا تضيع هذه الأسماء الشرعية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها » [صححه الألباني]
وغيرها الكثير التي يجب أن نحصن أنفسنا وذوينا منها بالتقوى والعلم الصحيح.
فاللهم نسألك الثبات حتى نلقاك وأن ترينا الحق حقاً وترزقنا اتباعه وترينا الباطل باطلاً وترزقنا اجتنابه.
وصلّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.