بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
قال تعالى:
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ۖ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ۚ فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف : 189-190]
هذه الآيات جاءت توضح لنا موقفاً من مواقف الشرك التي نراها عندما يُنعِمُ اللهُ على الأبَوين بالذرية فيجعلون لله الخالِق الذي تفرّد بخَلقِه شركاءَ يُشركون في عبادة الله مخلوقاتِه وهي التي لا تَقْدر على دفعِ الضرر عنها فكيف بغيرها؟
وأيضاً يُشركون مع الله غيرَه في طاعته وغيره من الشرك نعوذ بالله من الذي يقع فيه بعض الناس بجهله والبعض عافانا الله مؤمنٌ به.
فيا أختي الغالية ويا أيتها الأم الرحيمة ارحمي فلذاتِ كَبِدك من الشرك وانأَي بنفسكِ عن ذلك ولا تقابلي الإحسان بالإساءة ، فاللهُ أنعمَ عليكِ وأكرمكِ بهذه النعمة فأحسِني شُكرَها، فلا تُعلقي قلبكِ بغير الله جل في علاه ، فإن الذين تعلّقت قلوبهم بغير الله كأولئك الذين تعلقت قلوبهم بالتمائم والحروز وغيرها ظنّاً منهم أنها تجلب النفع أو تدفع الضرر فهي من الشرك وصدٌ عن سبيل الله ، فقط علّقي قلبَكِ بالله واعلمي أن الله الواحد الأحد هو القادر وحده فقط على دفع الضرر لا غيره.
فلا تجعلي بينكِ وبين الله وسائط تدعينهم وتسألينهم المنفعةَ أو الشفاعةَ من أولياء أو قبورَ صالحين ، ألم تعلمي أنَّ ربكِ قريبٌ منكِ منهم كما جاء في الآية: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة : 186]
اِدعيهِ وتوكّلي عليه وأيقني بالإجابة من الوهاب الكريم.
فأبناؤكِ هم بذورُ الأمة وغراسُها فاغرِسي فيهم الخيرَ تحصدين التوفيق والنجاح إنْ أنشأتِهم النشأةَ الإسلاميةَ الصحيحة ، نشأةً على حُبّ اللهِ وحُبّ رسولِه صلى الله عليه وسلم ، وحُبِّ ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الحق والقول المبين وأنه أكملُ هديٍ وأفضلُ حُكمٍ وأن لا يَبغضَ ولا يَستهزأَ بشيئٍ من دين الله عز وجل أو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابَ اللهِ أو عقابِه.
فيتربَّون على حُبّ الله والرسولِ وصحابتِه الكرام رضوانُ الله عليهم ، والولاءُ لله وللدين والبراءة من أهل الشرك وأفعالهم ، وحتى لباسُهم فلا يُقلدهم ولايتأثر بهم فينشأون على عقيدةٍ وهويةٍ إسلاميةٍ مستقيمة.
فيُقبلون على تعلُّم دينهم والعمل به فيعرِفون صلاتَهم كيفيتها وما هيئتها وصيامهم وشروطه وجميع الأركان الواجبة في الإسلام فتتقوى دعائمهم بتقوى الله وتكتسي أفعالهم بأخلاق خيرِ الوَرى محمد نبينا عليه أفضل الصلوات وأزكاها ، وتحفظ أفئدتُهم كتابَ الله وآيِهِ فيحفظُهم اللهُ من كل سوء فتستقيمُ حياتَهم في صفاءٍ وأمان.
فهذه يا غالية السعادةَ والغايةَ العظمى من خلقِ الله للإنسان لإعمار الأرض وإصلاحها وعبادته فأنتِ واللهِ في شرفٍ عظيم إن عَمَرتي الأرضَ وعبَدتي اللهَ ، وقمتي بتربية أبناءكِ التربية الصالحة وتزودتي من العلم الكافي لتُفَقّهي نفسكِ وعائلتكِ وبذلتي قُصارَ جهدَكِ في ذلك ولم تُعرضي بشواغل الدنيا وزينتها الزائفة أو بمكائد الشيطان وحِيَله وطاعته في معصية الخالق.
فقد قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [السجدة : 22]
وأخُصَّكِ بالذكر والعناية لأن الأمَّ هي التي عليها الجانب الأكبر في التربية وإن كانت متشاركة بين الأبَوين إلا أن الأم أثرها أكبر لتحمّلها وصبرِها وإعطاءِها جُلّ وقتِها لأبناءها فاثبُتي على ذلك يا غاليه وأبشري بالثوابَ الجزيل.
فاللهم لا تجعلنا وإياكم من المُعرِضين واجعلنا وذرياتنا هداةً مهتدين يارب العالمين وأن تجعلنا حنفاء مخلصين لك.
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (*) شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (*) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (*) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل : 120-123]