عتاب بن أَسيد بن أبي العيص
أمير مكة أبو محمد وقيل أبو عبدالرحمن عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ بْنِ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ .
أُمُّهُ : زينب بِنْتُ أبي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. وهي عمة الكافر اللعين عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو .
مولده :
ولد قبل البعثة ببضع سنين ، فقد قيل أنه أسلم وله ثمان عشرة سنة وقيل بضع وعشرون سنة ، وولد من أبوين أمويين أبناء عم فأبوه : أَسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس وأمه زينب بنت أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس .
كان أبوه أَسيد بن أبي العيص من كتاب العرب القليلين وكان متعصبا لقومه بني عبد مناف بن قصي مدافعا عنهم وكان يفاخر قبائل قريش بذلك فيصيب مرة ويخسر مرة ، فلما ظهر الإسلام وقف أسيد مع زعماء قريش معاندا للإسلام متعصبا للكفر ومآثر قريش في الجاهلية ، فكان يبغض الإسلام ومن أسلم بُغضا شديدا حتى كان من تعصبه أنه كان يعادي الكفار الذين يساندون النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه قال أبو طالب :
لَعَمْرِي لَقَدْ أَجْرَى أسيدٌ وَبِكْرُهُ … إلَى بُغْضِنَا وَجَزَّآنَا لِآكُلْ
وهي قصيدة طويلة يعاتب فيها أبو طالب قريش وزعمائها على ما فعلوه في وقوفهم ضد محمد صلى الله عليه وسلم ، ويقصد أسيد في هذا البيت أسيد بن أبي العيص ويقصد ببكره عتاب بن أسيد وقيل خالد بن أسيد وهو الأشبه لأن خالدا كان كبير السن يوم أسلم وشهد بدرا مع المشركين وأُسِر يومئذ، أما أخوه عتاب فقد كان صغير السن يوم أسلم، فيكون بكره خالد .
بقى أسيد على حاله كارها للإسلام حتى عمي ومات قبل فتح مكة بيوم، ففي أخبار مكة للأزرقي حين أذن بلال رضي الله عنه فوق الكعبة وتكلم بعض وجهاء قريش في ذلك فمنهم من أسلم ومنهم من لم يسلم بعد، فتكلم خالد بن أسيد بن أبي العيص فقال : الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أَكْرَمَ أَبِي فَلَمْ يَسْمَعْ بِهَذَا الْيَوْمِ، وَكَانَ أَسِيدٌ مَاتَ قَبْلَ الْفَتْحِ بِيَوْمٍ . ( الأزرقي أخبار مكة ) .
وكان قبل موته كتب على رخام فيه : أَنَا أَسِيدُ بْنُ أَبِي الْعِيصِ، يَرْحَمُ اللَّهُ عَلَى بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، وعثر على هذا الرخام حين جاء سيل فكشف عنه ، ففي أخبار مكة للأزرقي : أَنَّ السَّيْلَ، أَبْرَزَ عَنْ حَجَرٍ، عِنْدَ قَبْرِ الْمِرَّاتَيْنِ، فَإِذَا فِيهِ كِتَابٌ: أَنَا أَسِيدُ بْنُ أَبِي الْعِيصِ، يَرْحَمُ اللَّهُ عَلَى بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ .
وفي رواية أخرى للفاكهي : عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَسَرَ السَّيْلُ عَنْ حجرٍ بِمَسْجِدِ السُّرَرِ عِنْدَ قَبْرِ الْمَرْأَتَيْنِ مَكْتُوبٌ فِيهِ: أَنَا أُسَيْدُ بْنُ أَبِي الْعِيصِ تَرَحَّمَ اللهُ عَلَى بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ . ( أخبار مكة للفاكهي ) .
فتح مكة وآذان بلال على الكعبة :
دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحاً وكان يوم مليء بالأحداث ، وقد أمن الناس ونهى عن القتال وانتهى هذا اليوم بعفو النبي صلى الله عليه وسلم على قريش ، وهدم الأصنام ، وأسلمت قريش وجاء وقت الآذان لصلاة الظهر فصعد بلال بن رباح رضي الله عنه الذي كان عبدا في مكة قبل الإسلام فأذن رضي الله عنه فوق الكعبة فسمعه زعماء قريش فهالهم وغاظهم ما سمعوه ولم يكن الإيمان قد تغلغل في قلوبهم فقد أسلموا قبل سويعات ففي مغازي الواقدي : عَنْ ابْنِ الْمُسَيّبِ، … وَجَاءَتْ الظّهْرُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا أَنْ يُؤَذّنَ بِالظّهْرِ فَوْقَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ يَوْمَئِذٍ، وَقُرَيْشٌ فَوْقَ رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَقَدْ فَرّ وُجُوهُهُمْ وَتَغَيّبُوا خَوْفًا أَنْ يُقَتّلُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُ الْأَمَانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدْ أُومِنَ. فَلَمّا أَذّنَ بِلَالٌ وَرَفَعَ صَوْتَهُ كَأَشَدّ مَا يَكُونُ، فَلَمّا بَلَغَ «أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللهِ» ، تَقُولُ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ أَبِي جَهْلٍ: قَدْ لَعَمْرِي رَفَعَ لَك ذِكْرَك! أَمّا الصّلَاةُ فَسَنُصَلّي، وَاَللهِ لَا نُحِبّ مَنْ قَتَلَ الْأَحِبّةَ أَبَدًا، وَلَقَدْ كَانَ جَاءَ أَبِي الّذِي جَاءَ مُحَمّدًا مِنْ النّبُوّةِ فَرَدّهَا وَلَمْ يُرِدْ خِلَافَ قَوْمِهِ. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ أُسَيْدٍ: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَكْرَمَ أَبِي فَلَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْيَوْمَ! وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ: وا ثكلاه! لَيْتَنِي مُتّ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ، أَسْمَعُ بِلَالًا يَنْهَقُ فَوْقَ الْكَعْبَةِ! وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ: هَذَا وَاَللهِ الْحَدَثُ الْعَظِيمُ أَنْ يَصِيحَ عَبْدُ بَنِي جُمَحَ عَلَى بَنِيّةِ أَبِي طَلْحَةَ. قَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: إنْ كَانَ هَذَا سَخَطَ اللهِ فَسَيُغَيّرُهُ، وَإِنْ كَانَ رِضَاءَ اللهِ فَسَيُقِرّهُ. وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَمّا أَنَا فَلَا أَقُولُ شَيْئًا، لَوْ قُلْت شَيْئًا لَأَخْبَرَتْهُ هَذِهِ الحصاة! فَأَتَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُمْ.( ضعيف ) .
وعند الفاكهي والأزرقي : فقال عتاب رضي الله عنه : لقد أكرم الله أسيدا ألا يكون سمع هذا، فيسمع منه ما يغيظه. ( ضعيف ) .
وفي تفسير البغوي : فَقَالَ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قبض أبي حتى لم يرد هذا اليوم .
إسلام عتاب يوم الفتح :
كان عتاب رضي الله عنه شاباً له عقل وافر وحكمة أهلته بأن يكون أول أمير على مكة في الإسلام ، فقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل مكة قولا حسنا ، إلا أن الحديث ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إنَّ بمَكَّةَ أربعةَ نفرٍ مِن قريشٍ ؛ أربَأُ بِهم عنِ الشِّركِ ، وأرغَبُ لَهم في الإسلامِ : عتَّابُ بنُ أسيدٍ ، وجبيرُ بنُ مُطعِمٍ ، وحَكيمُ بنُ حزامٍ ، وسُهيلُ بنُ عمرٍو )) .
فلما دخلها فاتحا وأسلم الناس ، رأى النبي صلى الله عليه وسلم أسيد بن أبي العيص في الجنة فهاله ذلك وأسيد مات على الشرك فكيف يدخل الجنة فقد روى ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ أنه قال : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( لَقَدْ رَأَيْتُ أسيدًا فِي الْجَنَّةِ، وَأَنَّى يَدْخُلُ أسيدٌ الْجَنَّةَ )) فَعَرَضَ لَهُ عَتَّابُ بْنُ أسيدٍ، فَقَالَ: (( هَذَا الَّذِي رَأَيْت، ادْعُهُ لِي )) فَدَعَا، فَاسْتَعْمَلَهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى مَكَّةَ، ثُمَّ قَالَ لِعَتَّابٍ: (( أَتَدْرِي عَلَى مَنِ اسْتَعْمَلْتُكَ؟ اسْتَعْمَلْتُكَ عَلَى أَهْلِ اللَّهِ، فَاسْتَوْصِ بِهِمْ خَيْرًا )) يَقُولُهَا ثَلَاثًا . ( أخبار مكة للأزرقي ) .
أسلم عتاب رضي الله عنه قبل الظهر مع من أسلم من قريش وحلفائها ، واستمعوا لخطبة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعد الخطبة استقر الإسلام في قلوب القرشيين إلا القليل منهم الذين فروا ومن بقى منهم أصبح يكتم كفره حتى كانت غزوة حنين وحصار الطائف ورجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأصبحت مكة كلها مسلمة ولم يرتد منهم أحد .
عتاب أميرا على مكة على حداثة سنه :
عتاب رضي الله عنه أول من تولى إمارة مكة في الإسلام ، فحين خرج النبي صلى الله عليه وسلم لغزو هوازن ، وفتح الطائف ، أراد عتاب رضي الله عنه أن يخرج معه للجهاد فقد روى الزبير بن بكار بسنده : أن عتابا قال : يا رسول الله ، لِمَ تًخَلِّفني عنك ؟ قال : (( ما ترضى أني استعملتك على آل الله عز وجل )). فيفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم لعتاب أنه في عمله هذا أفضل من الجهاد ، فلذلك سكت عتاب رضي الله عنه وانصرف لعمله أميرا على مكة . فأي فضل هذا وأي ثقة وأمانة حمّلها النبي صلى الله عليه وسلم لعتاب وهو أسلم قبل أيام ، وفي جيش الإسلام من هو أشرف وأفضل من عتاب ، ولكن هذا فضل الله يؤتيه من يشاء .
عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال : استعملَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ عتَّابَ بنَ أسيدٍ على مَكَّةَ , فقالَ : (( إنِّي قد أمَّرتُكَ على أَهلِ اللَّهِ بتقوى اللَّهِ عزَّ وجلَّ , ولا يأْكُل أحدٌ منْهم من ربحِ ما لم يضمَنْ , وانْهَهم عن سلَفٍ وبيعٍ وعنِ الصَّفقتينِ في البيعِ الواحدِ , وأن يبيعَ أحدُهم ما ليسَ عندَهُ )) ( المهذب للذهبي بسند جيد ) .
عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ حِينَ أَمَّرَهُ عَلَى مَكَّةَ: (( هَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ مَا آمُرُكَ بِهِ؟ قُلْ لَهُمْ: لَا يَجْمَعْ أَحَدٌ بَيْعًا وَلَا سَلَمًا، وَلَا يَبِعْ أَحَدٌ بَيْعَ غَرَرٍ، وَلَا يَبِعْ أَحَدٌ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ )) المعجم الكبير
قال ابن هشام: بلغني عن زيد بن أسلم أنه قال: لما استعمل النبي صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة رزقه كل يوم درهم، فقام فخطب الناس, فقال: أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم، فقد رزقني رسول الله صلى الله عليه وسلم درهمًا كل يوم فليست بي حاجة إلى أحد.
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما ، قال : استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة ، فرض له أربعين أوقية من فضة .
روى الفاكهي بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما في قوله{ وَاجعل لي مِن لَّدُنْك سلطانا نصيرا} قال : استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة ، فانتصر للمظلوم من الظالم .
عن أنس رضي الله عنه قال : أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ استعمل عَتَّابَ بنَ أَسيدٍ على مكةَ ، فكان يقولُ : واللهِ لا أعلمُ متخلِّفًا يتخلَّفُ عن هذه الصلاةِ في جماعةٍ إلا ضَربْتُ عُنقَه ؛ فإنه لا يتخلَّفُ عنها إلا منافقٌ ، فقال أهلُ مكةَ : يا رسولَ اللهِ ، استعملتَ على أهلِ اللهِ أعرابيًّا جافيًا .? فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : (( إني رأيتُ فيما يرى النائمُ كأنه أتى بابَ الجنةِ فأخذ بحلقةِ البابِ فقَلقلَها حتى فُتِح له فدخل )) . ( ميزان الاعتدال للذهبي ) .
وفي رواية : قال : إنا كنا على أمرٍ ، وقد صرنا إلى الإسلام ، وإني آمِرٌ من ينادي بالصلاة ، فمن وُجِد في بيته مُتَخَلفاً عنها ، ضَربتُ عنقه . ( الاستيعاب لابن عبد البر ).
موقفه من هزيمة المسلمين في حنين :
خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة متجها لحرب هوازن الذين جمعوا جيوشهم لحرب النبي صلى الله عليه وسلم تحت قيادة مالك بن عوف النصري فقصدهم النبي صلى الله عليه وسلم وعين على مكة عتاب بن أسيد واليا ويعينه معاذ بن جبل وهبيرة بن شبل الثقفي رضي الله عنهما فكان معاذ يفقه الناس وهبيرة يصلي بهم، وجماع الإمارة لعتاب رضي الله عنه . وعندما وصل المسلمون حنينا انهزم المسلمون أول الأمر وفر المنهزمون إلى مكة .
فقد جاء في المواهب اللدنية: بعد هزيمة المسلمين في أول الأمر في وادي حنين : مضى سرعان المنهزمين إلى مكة يخبرون أهلها بالهزيمة، فسر بذلك قوم من أهلها وأظهروا الشماتة وقال قائلهم : ترجع العرب إلى دين آبائها، وقد قتل محمد وتفرق أصحابه . فقال عتاب بن أسيد: إن قتل محمد فإن دين الله قائم، والذي يعبده محمد حي لا يموت، فما أمسوا حتى جاءهم الخبر بنصره صلى الله عليه وسلم، فسر عتاب ومعاذ بن جبل، وكبت الله من كان يسر خلاف ذلك .
وعند عودة النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف وفي الطريق سمع أبو محذورة يؤذن استهزاء ، وكان أبو محذورة شابا لا زال على كفره فعن أبي محذورة رضي الله عنه قال : خَرجتُ في نفرٍ، فَكُنَّا ببعضِ الطَّريقِ ، فأذَّنَ مؤذِّنُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بالصَّلاةِ عندَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فسمِعنا صوتَ المؤذِّنِ ونحنُ عنهُ مُتنَكِّبونَ، فصَرخنا نَحكيهِ، نَهْزأُ بِهِ، فسمِعَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فأَرسلَ إلَينا قومًا، فأقعَدونا بينَ يديهِ، فقالَ : (( أيُّكمُ الَّذي سَمِعْتُ صوتَهُ قدِ ارتفعَ ؟ )) فأشارَ إليَّ القومُ كلُّهُم، وصدَقوا، فأرسلَ كُلَّهُم وحبَسَني، وقالَ لي: (( قم فأذِّن )) فقُمتُ ولا شيءَ أَكْرَهُ إليَّ من رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، ولا مِمَّا يأمرُني بِهِ. فقمتُ بينَ يدي رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فألقى عليَّ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ التَّأذينَ هوَ بنفسِهِ، فقالَ (( قلِ: اللَّهُ أَكْبرُ، اللَّهُ أَكْبرُ، اللَّهُ أَكْبرُ، اللَّهُ أَكْبرُ، أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ، أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ . ثمَّ قالَ لي ارفَع من صوتِكَ، أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ، أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ، حيَّ على الصَّلاةِ، حيَّ على الصَّلاةِ، حيَّ على الفلاحِ، حيَّ على الفلاحِ، اللَّهُ أَكْبرُ، اللَّهُ أَكْبرُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ )) ثمَّ دعاني حينَ قَضيتُ التَّأذينَ، فأعطاني صُرَّةً فيها شيءٌ مِن فضَّةٍ، ثمَّ وضعَ يدَهُ على ناصيةِ أبي مَحذورةَ، ثمَّ أمرَّها علَى وجهِهِ، ثمَّ علَى ثَدييهِ، ثمَّ على كبدِهِ، ثمَّ بلَغَت يدُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ سُرَّةَ أبي محذورةَ، ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم : (( بارَكَ اللَّهُ لَكَ، وبارَكَ عليكَ )) فقُلتُ: يا رسولَ اللَّهِ أمرتَني بالتَّأذينِ بمَكَّةَ ؟ قالَ : (( نعَم، قد أمرتُكَ )) فذَهَبَ كلُّ شيءٍ كانَ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مِن كراهيةٍ، وعادَ ذلِكَ كلُّهُ مَحبَّةً لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقَدِمْتُ على عتَّابِ بنِ أَسيدٍ، عاملِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بمَكَّةَ، فأذَّنتُ معَهُ بالصَّلاةِ، عن أمرِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ. ( صحيح ابن ماجه ) .
قال ابن إسحاق: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمرًا وأمر ببقايا الفيء فحبس بمجنة بناحية مر الظهران, فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرته انصرف راجعًا إلى المدينة واستخلف عتاب بن أسيد على مكة, وخلف معه معاذ بن جبل يفقه الناس في الدين ويعلمهم القرآن, واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقايا الفيء ورزق عتاب بن أسيد والي مكة.
عتاب أول من حج بالمسلمين في الإسلام :
يعتبر عتاب بن أسيد رضي الله عنه أول من حج في الإسلام بالمسلمين في السنة الثامنة للهجرة ، فقد أسلم وتولى إمارة مكة في شهر رمضان من السنة الثامنة فبعد شهرين من إسلامه صادف الحج وكان الحج في ذلك الوقت مشتركا بين المسلمين وبين الكفار فالكل يحج على طريقته ولم يحرّم الإسلام حج الكفار بعد ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا في السنة العاشرة ، ولم يؤمّر أحدا في موسم السنة الثامنة لقرب فتح مكة وانتشار الكفر في ذلك الوقت . يقول الأزرقي : وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ عَتَّابًا عَلَى الْحَجِّ تِلْكَ السَّنَةَ، سَنَةَ ثَمَانٍ، وَلَا أَمَرَهُ فِيهِ بِشَيْءٍ، فَلَمَّا جَاءَ الْحَجُّ حَجَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فَدَفَعُوا مَعًا، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي نَاحِيَةٍ، يَدْفَعُ بِهِمْ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ وَيَقِفُ بِهِمُ الْمَوَاقِفَ؛ لِأَنَّهُ أَمِيرُ الْبَلَدِ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ مِمَّنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ فِي نَاحِيَةٍ، يَدْفَعُ بِهِمْ أَبُو سَيَّارَةَ الْعَدْوَانِيُّ عَلَى أَتَانٍ عَوْرَاءَ رَسَنُهَا لِيفٌ.
وفي السنة التاسعة للهجرة أمّر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه على الحج وبعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسورة براءة يتلوها على أهل الموقف ويتبرأ من الشرك وأهله وأنهم لا يحجوا بعد عامهم هذا . وعتاب رضي الله عنه واليا على مكة والطائف .
وفي أحداث هذه السنة جاء بنو عمرو بن عمير الثقفي وهم عبد ياليل وحبيب وربيعة ومسعود إلى عتاب يشكون بني المغيرة في ربا لهم ففي تفسير الطبري: عن ابن جريج قوله :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين}، قال: كانت ثقيف قد صالحت النبيّ صلى الله عليه وسلم على أنّ ما لهم من ربًا على الناس وما كان للناس عليهم من ربًا فهو موضوع. فلما كان الفتحُ، استعمل عتَّاب بن أسِيد على مكةَ، وكانت بنو عمرو بن عُمير بن عوف يأخذون الرِّبا من بني المغيرة، وكانت بنو المغيرة يُرْبون لهم في الجاهلية، فجاء الإسلام ولهم عليهم مال كثير. فأتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم، فأبى بنو المغيرة أن يعطوهم في الإسلام، ورفعوا ذلك إلى عتّاب بن أسيد، فكتب عتّاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرْب من الله ورسوله }، إلى { ولا تظلمون } . فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عتّاب وقال : (( إن رَضوا وإلا فآذنهم بحرب )) . فأرسل عتاب إلى بني عمرو فقرأ عليهم الآية. فقالوا: بل نتوب إلى الله عز وجل . ( تفسير مقاتل ) .
وفي السنة العاشرة للهجرة حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وكان عتاب رضي الله عنه واليا على مكة والطائف وحج مع النبي صلى الله عليه وسلم وفيها محتمل أنه أخذ ابنه عبدالرحمن بن عتاب وكان رضيعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبرّك عليه ويدعو له ، فقد كان الصحابة يأخذون أبنائهم للنبي صلى الله عليه وسلم ليبارك ويدعو لهم .
لم يزل عتاب أميراً على مكة ، حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحين جاءه الخبر بنعي النبي صلى الله عليه وسلم صُدم وخرج من مكة وهو لا يشعر بذلك فعن ابن هشام : ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى مكة وعملها عتاب بن أسيد، فلما بلغهم ذلك ضج أهل المسجد، فبلغ عتابًا فخرج حتى دخل شعبًا من شعاب مكة، وسمع أهل مكة الضجيج فتوافى رجالهم إلى المسجد، فقال سهيل بن عمرو رضي الله عنه : أين عتاب؟ وجعل يستدل عليه حتى أتى عليه في الشعب، فقال: ما لك؟ قال: مات رسول الله ، قال: قم في الناس فتكلم، قال: لا أطيق مع موت رسول الله الكلام، قال: فاخرج معي فأنا أكفيكه، فخرجا حتى أتيا المسجد الحرام، فقام سهيل خطيبًا، فحمد الله وأثنى عليه وخطب فيهم يحثهم على عدم الارتداد عن الإسلام والثبات عليه .
وكان مما قاله: قد تعلمون أني أكثر قريش قَتَبًا فِي بر وجارية فِي بحر، فأقروا أميركم وأعطوه صدقاتكم، وأنا ضامن إن لم يتم الأمر أن أردها عليكم، وبكى وسكن الناس، ورجع عتاب. ( أنساب الأشراف ) .
عتاب في خلافة أبي بكر الصديق :
أقر الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه عتاب بن أسيد رضي الله عنه أميرا على مكة وأعمالها وحج بالناس في موسم الحج لعام احدى عشرة هجرية وقيل حج بالناس عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه ، وفي موسم سنة اثنتي عشرة هجرية ، قيل أن أبا بكر الصديق حج بنفسه وقيل حج بالناس عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي أنساب الأشراف للبلاذري : ثُمَّ اعتمر أَبُو بَكْر فِي سنة اثنتي عشرة، فدخل مَكَّة ضحوة، فأتى منزله وَأَبُو قحافة جالس عَلَى باب داره، ومعه فتيان أحداث يحدثهم، إِلَى أن قيل: هَذَا ابنك، فنهض قائما، وعجل أَبُو بَكْر إِلَيْهِ قبل أن ينيخ راحلته، فنزل عَنْهَا وَهِيَ قائمة، وجعل يَقُول يَا أبه لا تقم، فلاقاه فالتزمه، وقبل أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بين عيني أَبِي قحافة، وجعل الشيخ يبكي فرحا بقدومه، وجاءه والي مَكَّة عَتَّابُ بْن أسيدِ بْن أَبِي الْعِيصِ، وسهيل بْن عَمْرو، وعكرمة بْن أَبِي جهل، والحارث بْن هِشَام، فسلموا عَلَيْهِ بالخلافة: سلام عليك يَا خليفة رَسُول اللَّهِ، وصافحوه جميعا، فجعل أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يبكي إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ سلموا عَلَى أَبِي قحافة. فَقَالَ أَبُو قحافة: يَا عتيق أحسن صحبة هَؤُلاءِ الملأ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لقد قلدت أمرا عظيما لا يد لِي بِهِ، وَلا قوة إِلا بالله، ثُمَّ دخل فاغتسل وخرج، فاتبعه أصحابه فنحاهم وَقَالَ: امشوا عَلَى رسلكم. ولقيه النَّاس يبهشون إِلَيْهِ، ويعزونه عَن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يبكي حَتَّى انتهى إِلَى البيت، فاضطبع بثوبه- أَوْ قَالَ بردائه- حَتَّى استلم الركن، ثُمَّ طاف سبعا، وركع ركعتين، ثُمَّ انصرف إِلَى منزله. فلما كَانَ الظهر، خرج فطاف أَيْضًا بالبيت، ثُمَّ جلس قريبا من دار الندوة، فَقَالَ: هل من أحد يشكو ظلامة أَوْ يطلب حقا؟ فما أتاه أحد، وأثنى النَّاس عَلَى واليهم خيرا، ثُمَّ صلى العصر وجلس، فودعه النَّاس، ثُمَّ خرج راجعا إلى المدينة .
وكانت هذه آخر حجة لعتاب رضي الله عنه فقد توفي في نفس اليوم الذي توفي فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
وفاته :
اختلف في وقت وفاته على أقوال وأكثرها أنه توفي في نفس اليوم الذي توفي فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه . قال محمد بن سلام : جاء نعي أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى مكة يوم دُفن عتاب بن أسيد . وكان عتاب رجلاً صالحاً خَيِّراً فاضلاً . وكان عتاب يقول وهو يخطب ويحلف : ما أصبتُ في عملي الذي بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا ثوبين ، كسوتهما مولاي كيسان . وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصاه وصية استمر عليها فعن عطاء عن عتاب بن أَسيد رضي الله عنه ، أنه لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نهاهُ عن شِفِّ ( ربح ) ما لم يُضمن . ( الصحيحة ) .
عن عمرو بن أبي عقرب قال : سمعت عتاب بن أَسِيد وهو مسند ظهره إلى الكعبة يقول : ما أصبتُ من عملي الذي استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثوبين مُعَقّدين كسوتهما مولاي كيسان .
قال أبو جعفر الطبري: ومات عتاب بْن أسيد بمكة في اليوم الذى مات فيه أبو بكر الصديق .
وهو يوم الاثنين الثّاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة للهجرة . هذا أكثر الأقوال في موته ، وقيل أنه توفي في رجب وجاء نعي أبي بكر الصديق إلى مكة بوفاته في نفس اليوم الذي دفن فيه عتاب رضي الله عنه .
وقيل أنه عاش إلى خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتوفي سنة ثلاث وعشرين للهجرة والله أعلم .
أولاده :
تزوج عتاب رضي الله عنه من جويرية بنت أبي جهل رضي الله عنها بعد فتح مكة وأمها عمة عتاب رضي الله عنه واسمها أروى بنت أبي العيص رضي الله عنها وكانت أروى قد أسلمت وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة هي وبناتها صخرة وجويرية والحنفاء وأسماء بنات أبي جهل لعنه الله ورضي الله عن بناته . وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه قد كلم الحارث بن هشام رضي الله عنه أخا أبي جهل بن هشام لعنه الله في أن يتزوج من جويرية بنت أبي جهل بعد فتح مكة فقد روى الحاكم : أَنَّ عَلِيًّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ فَقَالَ لَهُ أَهْلُهَا لَا نُزَوِّجُكَ عَلَى فَاطِمَةَ . ثم أن الحارث وأخوه سلمة ذهبا للنبي صلى الله عليه وسلم يستأذناه في ذلك ففي البخاري : عن المسور بن مخرمة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ، وهو على المنبر : (( إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، فلا آذن لهم ، ثم لا آذن لهم ، ثم لا آذن لهم ، إلا أن يريد ابن أبي طالب : أن يطلق ابنتي ، وينكح ابنتهم ؛ فإنما هي بضعة مني ، يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها )) .
وفي رواية لسُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ خَطَبَ عَلِيٌّ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ إِلَى عَمِّهَا الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَاسْتَشَارَ ( علي بن أبي طالب ) النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : (( أَعَنْ حَسَبِهَا تَسْأَلُنِي ؟ )) فَقَالَ : لَا وَلَكِنْ أَتَأْمُرُنِي بِهَا قَالَ : (( لَا ! فَاطِمَةُ مُضْغَةٌ مِنِّي وَلَا أَحْسَبُ إِلَّا أَنَّهَا تَحْزَنُ أَوْ تَجْزَعُ )) فَقَالَ عَلِيٌّ : لَا آتِي شَيْئًا تَكْرَهُهُ ( فتح الباري بسند صحيح ) .
ثم إن فاطمة رضي الله عنها ، علمت بخطبة علي رضي الله عنه لجويرية وما سمعته من الناس فغضبت وأتت النبي صلى الله عليه وسلم تشتكيه ، ففي صحيحي البخاري ومسلم : أنَّ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ بنْتَ أَبِي جَهْلٍ، وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ بنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَلَمَّا سَمِعَتْ بذلكَ فَاطِمَةُ أَتَتِ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَتْ له: إنَّ قَوْمَكَ يَتَحَدَّثُونَ أنَّكَ لا تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ، وَهذا عَلِيٌّ نَاكِحًا ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ. قالَ المِسْوَرُ: فَقَامَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ، ثُمَّ قالَ: أَمَّا بَعْدُ، فإنِّي أَنْكَحْتُ أَبَا العَاصِ بنَ الرَّبِيعِ، فَحدَّثَني، فَصَدَقَنِي وإنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ مُضْغَةٌ مِنِّي، وإنَّما أَكْرَهُ أَنْ يَفْتِنُوهَا وإنَّهَا، وَاللَّهِ لا تَجْتَمِعُ بنْتُ رَسُولِ اللهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَبَدًا قالَ: فَتَرَكَ عَلِيٌّ الخِطْبَةَ.
وكان ذلك بعد فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة فبعد أن خطب النبي صلى الله عليه وسلم ورفض زواج علي بن أبي طالب من ابنة أبي جهل ، تقدم لها ابن خالها عتاب رضي الله عنه فتزوجها وهي ابنة عمته فعن مصعب الزبيري قال : خطب علي بن أبي طالب رضي الله عنه جويرية بنت أبي جهل فشق ذلك على فاطمة رضي الله عنها ، فأرسل إليها عتاب رضي الله عنه : أنا أُرِيُحك منها ، فتزوجها . فولدت له عبدالرحمن بن عتاب . العقد الثمين .
وله أيضا جويرية بنت عتاب بن أسيد ولا أعرف اسم أمها .