الخميس 3 جمادى الأولىI 1446 - 05 ديسمبر 2024
جديد الموقع
بحث
التصنيفات
» دور المسجد في تربية الأبناء

امتن الله علينا بنعمة الذرية، وحذرنا من الافتتان بها فقال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن:15].

وأمرنا أن نأخذ بحُجَز أهلينا عن النار فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].

وما ذاك إلا لما لأهلنا من حق علينا يوجب تمام العناية بهم وحسن رعايتهم. وكلنا راع ومسؤول عن رعيته كما في الحديث.

وحتى تكتمل أمانة الرعاية لا بُدَّ للأبوين من الحرص على تعليم الأبناء وتربيتهم، وأن يختاروا البيئة المناسبة ليترعرع فيها أبناؤهم، ولن يجدوا في هذا الزمن الذي عج فيه الفساد وتهاطل من كل حدب وصوب أفضل لفلذات أكبادهم من بيوت الله.

والمسجد في الإسلام عزيزي القارئ، كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم -ولا زال-  الزاد الروحي لمسيرة المسلم الطويلة إلى الله تعالى، وهي المدرسة التي يأخذ فيها علومه وآدابه، ويعرف ماضيه وحاضره، ويترسم خطى مستقبله، وليس مكانًا لإقامة الصلاة فحسب، بل كان منطلقَ أنشطةٍ كثيرة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعقد فيه الاجتماعات، ويستقبل فيه الوفود، ويقيم فيه حِلَق الذكر والعلم، ومنطلق الدعوة والبعوث، ويبرم فيه  أمر السلم والحرب. وأول عمل بدأه النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة مهاجرا أن شرع في بناء المسجد.

وقد شهد الله تعالى لمن يعمر مساجده بالطاعة والإيمان فقال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:18].

فإذا كان الأمر بهذه الأهمية والمكانة عزيزي القارئ! فإن أبناءنا في أَمسِّ الحاجة لمحضن تربوي ذي أثر عظيم يحافظ على الفطرة، وينمي الموهبة، ويربط النشء بربه منذ نعومة أظفارهم، ويغرس فيهم المثل والقيم والصلاح بتأثير من الصالحين والخيرين، من خلال أسلوب المشاهدة والقدوة.

لقد كانت صلة الأطفال الصغار بالمسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده صلة قوية وثيقة، نمَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من خلال أفعالهم وتوجيهاتهم. حيث كان المسجد هو المدرسة التي يعلمونهم فيها القرآن الكريم، ويفقهونهم في الدين، حتى خرج منهم علماءُ أفذاذٌ يشار إليهم بالبنان، وتنهل الأمة من معارفهم وعلومهم إلى الآن.

وما ذاك إلا من أثر التربية المسجدية التي تربطهم بالصلاح والإصلاح، فعن شداد بن الهاد الليثي رضي الله عنه قال:

“خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء، وهو حامل حسنا أو حسينا، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضعه، ثم كبر للصلاة، فصلى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي: فرفعت رأسي، وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الناس: يا رسول الله! إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها! حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك؟! قال: (كل ذلك لم يكن؛ ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أُعجله حتى يقضي حاجته)” [صحيح النسائي:1141].

فتأملوا يا رعاكم الله! تلطفه مع الصبية ومراعاته لسنهم وطفولتهم بالرغم من لهوهم ولعبهم في المسجد!

ولك أن تقارن هذا الحال بحال كثير من الآباء و المصلين وقد نصبوا من أنفسهم خصوما للصغار يترصدون تحركاتهم ويتعمدون طردهم لأدني الأسباب، ويغلظون عليهم بالقول من غير رحمة ولا شفقة. فتنبهوا لذلك يا رعاكم الله! فالأمر يقتضي منا مزيد رعاية وحرص في كيفية التعامل معهم حتى نربطهم ببيوت الله فلا ينفروا منها.

ولم يقتصر الأمر على حسن معاملتهم، بل كان صلي الله عليه وسلم و أصحابه يقدمون من أبنائهم الحفظة لكتاب الله والمتفقهين فيه، فتقوى بذلك رابطتهم بالمسجد، ففي الحديث عن عمر بن سلمة الجرمي، قال: “لما قدم أبي قال: جئتُكم واللهِ من عند النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حقًّا، فقال: (صلوا صلاةَ كذا في حين كذا، وصلُّوا كذا في حين كذا، فإذا حضرتِ الصلاةُ فلْيؤذِّن أحدُكم، وليؤمكم أكثرُكم قرآنًا). فنظروا فلم يكن أحد أكثرَ قرآنًا مني، لما كنت أتلقى من الركبان، فقدَّموني بين أيديهم، وأنا ابن ستِّ أو سبعِ سنين” [صحيح البخاري:4302].

فما أحسنه من هدي!

وحتى تتحقق مصلحة تربية الاطفال و تكوينهم من خلال المساجد لابد من اتخاذ بعض الإجراءات من القائمين على المساجد، ومنها:

1. أن يُشجَّع الآباءُ لاصطحاب أبنائهم إلى المساجد، وتعليمهم النظافة والنظام وأن يراقبوهم، و يوجهوهم إلى ما فيه صالحهم.

2. أن يُهيَّأَ للصغار من يرشدهم، وينظم جلوسهم، ويقيم لهم المناشط التي تتفق مع أعمارهم.

3. أن يتحبب العاملون في المساجد للأطفال وأبناء المصلين بالبسمة ورحابة الصدر، وأن يجذبوهم للمساجد بحسن تعاملهم.

4. تفعيلُ حلقات العلم في المسجد، ولا سيما حلقات تحفيظ القران الكريم.

5. تخصيصُ دروسٍ أسبوعية للفتيات، و تفعيل دور مصلى النساء في ذلك.

ومما يجدر التنبيه إليه أن الكثير من الآباء يمنعون صبيانهم من دخول المساجد معتمدين على أحاديث ضعيفة لا تصح، ولا تقوم بها حجة، ومنها حديث: (جنبوا مساجدكم صبيانكم)  فهو حديث لا يصح، قد ضعفه غير واحدٍ من أهل العلم، منهم: ابن الجوزي، والحافظ ابن حجر العسقلاني، والشيخ الألباني، وغيرهم.

فتنبهوا  لذلك  أيها الآباء! وألزموا سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وأحسنوا تأديب أبنائكم، وتعليمهم، والنصح لهم بتلطف ولين، وشجعوهم على التعلق بالمساجد ولا تنفروهم عنها، واحرصوا على أن تقيموا جسرا قويا بين أبنائكم وبين المسجد وبخاصة في هذا الزمان الذي أضحى فيه الشر عنوان الحضارة و أسَّ المدنية و الوشيجة الواصلة بين الانسان و طموحاته وآماله.



تعليقات 10

  1. أحمد علي العمري

    ما شاء الله. لا فض فوك
    وجزاك ربي خير الجزاء


    رد


    8 أبريل 2014

    5:26 م

  2. سعيد الشنفري

    جزاك الله خير على هذا المقال الطيب الذي يمس واقع وحال الابناء في مجتمعنا
    واتمنا من أولياء الأمور أن يجعلوا من المسجد أكثر من مجرد مكان للصلاة


    رد


    8 أبريل 2014

    6:05 م

  3. سالم باعمر

    جزاك الله خيرا اخي عبدالحافظ


    رد


    8 أبريل 2014

    9:00 م

  4. ياسر الشيداد

    بارك الله فيك أخي أبا معاذ .. ونفع الله بما كتبت


    رد


    8 أبريل 2014

    9:43 م

  5. ماهر علي

    جزاك الله خيرا ابومعاذ


    رد


    8 أبريل 2014

    9:59 م

  6. ابوبكر المشيخي

    جزاك الله خير ابامعاذ
    احسنت اختيار الموضوع المهم الذي يمس الواقع المعاصر في حياتنا
    في ميزان حسناتك ان شاﺀ الله


    رد


    9 أبريل 2014

    1:11 م

  7. نوار ظفار

    رفع الله قدركم وبارك لكم في ذريتكم .


    رد


    11 أبريل 2014

    8:50 ص

  8. حفيدة عائشه

    وإنك رمزاً لإيماننا….
    وليلاً وصبحاً لتسبيحنا….
    تمثل مجداً لنا في العلا ….
    وترفع قدراً لنا في الملا….

    المسجد هو الركيزة الأساسية للفرد والمجتمع.
    فعلوّ ورفعة الفرد ومكانة وعزة المجتمعات بقدر حبهم واعتزازهم وتعلقهم بالمساجد..

    فيارب اجعل كاتب وقارئ هذه المقالة وأبناءنا من أهل المساجد والمتعلقة قلوبهم به.


    رد


    28 أبريل 2014

    2:09 ص

  9. أحمد

    بها فقال تعالى: {إِنَّ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن:15].

    (إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) وليس إن أموالكم وأولادكم


    رد


    14 يوليو 2017

    7:28 ص

    1. ahloman

      تم التعديل وجزاك الله خيرا على التنبيه ..


      رد


      21 سبتمبر 2017

      8:18 ص

ضع تعليقك