السلسلة الميسرة في فقه المعاملات المالية المعاصرة
(14) أحكام الإيداع البنكي
أولا: تعريف الودائع النقدية:
هو عقد بمقتضاه يسلّم شخص مبلغا من النقود إلى المصرف الذي يتعهد بأن يرده إليه بقيمة مماثلة على دفعة واحدة أو عدة دفعات لدى أول طلب منه، أو ضمن المهلة والشروط المتفق عليها في العقد، ويكون للمصرف حق استعمال هذه النقود، ويصبح مالكا لها على أن يلتزم المصرف برد مبلغ مماثل إلى المودع.(1)
ثانيا : أنواع الودائع النقدية في البنوك:
1⃣ ودائع الحسابات الجارية:
وهي المبالغ التي يودعها أصحابها في البنوك، بشرط أن يردها عليهم البنك كلما أرادوا، ويلتزم البنك بأدائها إليهم فور الطلب.
2⃣ الودائع الادخارية،وتسمى حسابات التوفير:
وهي مبالغ مودعة في البنك لحساب العملاء، إلا أن العميل يتخلى عن استخدام تلك المبالغ لفترة من الزمن ويدخل في برنامج ادخاري لدى البنك بحيث إن البنك يقوم باستثمار تلك الأموال له ويعطيه فوائد ربوية عليها.
3⃣ الودائع الاستثمارية:
وهي قروض يقدمها العملاء المودعون إلى البنك بفوائد ربوية غالبا،وهي مضمونة الرد كسائر الديون.
4⃣ الودائع المخصصة لعمل معين:
أن يقوم العميل بدفع مبلغ معين للمصرف بغرض تسديد قيمة الشيكات أو شراء أسهم أو يقصد بها الاستثمار.(2)
ثالثا: تكييف الودائع النقدية في البنوك (أو الحساب الجاري)، على حالتين:
1⃣ أن يذكر في عقد الإيداع أن الحساب الجاري قرض يأخذه البنك من المقترض (العميل)؛ فهذا دين بإجماع العلماء المعاصرين، وتجري عليه أحكام الدين.
2⃣ ألا يذكر أنه دين، أو ينص في العقد على أنه وديعة، فهذا حصل في تكييفه خلاف، والذي ذهب إليه أكثر العلماء والباحثين المعاصرين ومجمع الفقه الإسلامي أنها قرض، المودع فيه بمثابة المقرض، والمصرف هو المقترض.
▫واستدلو بما يلي:
1⃣ قاعدة: (أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني)، وحقيقة الوديعة المصرفية أنها دين وليست وديعة؛ لأن الوديعة لا يتصرف فيها المودع، ويرد عينها، والوديعة المصرفية يتصرف فيها المودع ويرد مثلها.
2⃣ ولأن القوانين قد نصت على اعتبار الحسابات الجارية قرضا.
3⃣ ولأن المودع يعلم أن البنك يتصرف فيها، وقد دفعها إليه راضيا بذلك فكان إذنا بالتصرف.(3)
رابعا: حكم الودائع النقدية في البنوك:
يكون الإيداع على أربعة حالات:
1⃣ أن يكون الإيداع في بنوك إسلامية ومعاملاتها صحيحة والإيداع فيها جائز. وبه قال أكثر العلماء والمجامع الفقهية والهيئات الشرعية؛ لأن الأصل في العقود الصحة والجواز، ولأن القرض في البنوك الإسلامية مستحب، وهو من التعاون على البر والتقوى.
2⃣ أن يكون الإيداع في بنوك ربوية، ويؤخذ على الإيداع فوائد ربوية متفق عليها، فالإيداع فيها محرم بإجماع العلماء المعاصرين والمجامع الفقهية والهيئات الشرعية، واستدلو بجميع الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على تحريم الربا.
3⃣ أن يكون الإيداع في بنوك ربوية، ولا يؤخذ على الإيداع فوائد، فالإيداع جائز.
4⃣ أن يكون الإيداع في بنوك ربوية تعطي فوائد ربوية لكل عميل بدون اتفاق ولا شرط، فإذا كان الإنسان مضطرا للإيداع خوفا من السرقة ولا يوجد بنوك إسلامية فالإيداع جائز بالاتفاق؛ وذلك لضرورة حفظ المال فالضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها،ولعموم البلوى، والحاجة الماسة للتعامل مع البنوك.(4)
🔹 فائدة مهمة:
حكم إيداع الأموال في البنوك الربوية مع وجود البنوك الإسلامية بحجة أن فيها مصالح، وأنها أكثر تنظيما، وأسرع في الوصول إلى الخدمات؟
لا يجوز ذلك وقال به أكثر العلماء المعاصرين والهيئات الشرعية والمجامع الفقهية وذلك للأسباب التالية:
1⃣ أن الإيداع فيها إعانة لها على الربا، فالبنك يتقوى بهذه الأموال، والإعانة على فعل المحرم محرم، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة:2].
2⃣ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: “هم سواء”، صحيح مسلم (1598).
_________
1. أبحاث هيئة كبار العلماء (167/5)
2. مجلة البحوث الإسلامية (21/8) وكتاب المعاملات المالية لدبيَّان الدبيَّان.(257/12)
3. راجع مجلة مجمع الفقه الإسلامي/العدد التاسع (730/1) وكتاب الفروق الفقهية في نوازل المعاملات للدكتور أحمد الرحيلي (666/2).
4. راجع كتاب الفروق الفقهية في نوازل المعاملات للدكتور أحمد الرحيلي (670/2)