سلسلة (نور السالكين في أحكام وآداب الصائمين)
(3) أحكام رؤية الهلال
أولا: ما يشترط فيمن يرى الهلال:
1. أن يكون عدلا: العدالة هي القيام بالواجبات واجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر. قال الشيخ ابن عثيمين: الصحيح أن الشهادة تقبل في هذه الموضع إذا ترجح أنها حق وصدق لقوله تعالى: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ). (البقرة 282)(1)
2. أن يكون مكلفا: هو البالغ العاقل.
3. أن يكون قوي البصر: بحيث يحتمل صدقه فيما ادعاه. وممن قال بهذا الشيخ ابن عثيمين.(2)
ثانيا: الرؤية هي المعتبرة في ثبوت الشهر:
عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّا أمَّة أمِّيَّة لا نكتب ولا نحسب ، الشهر هكذا وهكذا ، يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين» رواه البخاري ( 1913 ) ومسلم
والمقصود من الحديث: أننا لا نحسب لثبوت الهلال بحساب النجوم، وأن المعتبر في ذلك الرؤية الشرعية: وهي رؤية العدل، لا حساب النجوم، وقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم الشهر فعدوا ثلاثين». رواه البخاري ومسلم(3)
قال الإمام النووي رحمه الله: لا يجب مما يقتضيه حساب المنجم الصوم عليه، ولا على غيره.(4)
وتعليق إثبات الشهر القمري بالرؤية يتفق مع مقاصد الشريعة السمحة؛ لأن رؤية الهلال أمرُها عام يتيسر لأكثر الناس من العامة والخاصة في الصحاري والبنيان، بخلاف ما لو علق الحكم بالحساب فإنه يحصل به الحرج ويتنافى مع مقاصد الشريعة؛ لأن أغلب الأمة لا يعرف الحساب، ودعوى زوال وصف الأمية بعلم النجوم عن الأمة غير مسلَّم.
ثالثا: العدد المعتبر في رؤية الهلال:
1- قد ذهب الجمهور إلى القول بشهادة شاهد واحد عدلٍ في رؤية هلال رمضان ، أي في بدء الصوم ، وعندهم أنه إن شهد مسلم واحد عدل أنه رأى هلال رمضان فقد وجب الصيام على جميع المسلمين.
والدليل فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “تراءى الناسُ الهلال ، فأخبرتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَني رأيته ، فصامه وأمر الناس بصيامه” رواه أبو داود ( 2342 )
2- أما بخصوص ثبوت رؤية هلال شوال أي بدء الإفطار فذهب الجمهور والأئمة الأربعة إلى أنه لا بد من شهادة شاهدَيْن في ثبوت رؤية هلال شوال .
والدليل فعن الحسين بن الحارث قال : سمعت عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب يقول: “إنَّا صحبنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وتعلمنا منهم ، وإِنهم حدثونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن أُغمي عليكم فعُدُّوا ثلاثين ، فإن شهد ذوا عدلٍ فصوموا وأَفطروا وانْسُكوا» رواه وأحمد والنَّسائي . ولفظ أحمد: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، وأنْ انسكوا لها فإن غُمَّ عليكم فأتموا ثلاثين وإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا».(5)
رابعا: إذا رأى الهلال أهل ناحية فهل يجب على جميع الناس أن يصوموا؟
– من أهل العلم من يقول: نعم، إذا رآه أهل ناحيةً وجب على جميع المسلمين أن يصوموا في مشارق الأرض ومغاربها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد خاطب الأمة بقوله: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» ، قالوا: هذا خطاب لجميع الأمة.
– ومن أهل العلم من فرّق وقال: بأن هذا لمن كانوا في تلك الناحية؛ واعتبر هؤلاء اختلاف المطالع، ويدل على ذلك ما جاء عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- كما في صحيح مسلم عن كريب أن أمَّ الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال: (فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل عليّ رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما- ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال يعني بالشام؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ قلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، قال ابن عباس: لكننا -يعني في المدينة- رأيناه ليلة السبت، يعني بعد أهل الشام بليلة، فلا نزال نصوم حتى نكمل الثلاثين أو نراه، فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا).
وقد يقول قائل: هذا اجتهاد من ابن عباس -رضي الله عنه- ولكن آخره يدل على أنه ليس باجتهاد، حيث قال: “هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم”-.(6)
– وقررت اللجنة الدائمة للإفتاء رقم (313): أن حكم الحاكم في هذه المسألة يرفع الخلاف، فإن أحذ بأحد هذه الآراء تبعه الناس على ما ذهب إليه حتى لا تتفرق الكلمة فيحصل التنازع والتفرق.(7)
خامسا: حكم استعمال المراصد الفلكية لرؤية الهلال؟
يجوز استعمال المراصد الفلكية لرؤية الهلال كالدربيل وهو المنظار المقرِّب، ولكنه ليس بواجب ، فلو رأى الهلال عبرها من يُوثَقُ به فإنه يُعمل بهذه الرؤية، وهو اختيار ابن باز ، وابن عثيمين ، وبه صدر قرار هيئة كبار العلماء ، وهو قرار مجمع الفقه الإسلامي.
والدليل:
عموم ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «.. فإذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا». أخرجه مسلم (8)
سادسا: من كان في بلد أول الشهر ثم سافر إلى بلد آخر أثناء الشهر وأدرك نهاية الشهر فيه فحكمه أن يصوم مع أهل البلد الأولى ويفطر مع الأخرى، لأن حكمه حكم أهلها لقوله صلى الله عليه وسلم: «الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون» أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
حتى لو أدى ذلك أن صيامه سيكون واحدا وثلاثين يوما، فإن صادف أنه صام ثمانية وعشرين يوما قضى يوما بعد يوم العيد.(9)
_______________________
1. الشرح الممتع (6/323)
2. الشرح الممتع (6/324)
3. انظر تمام المنة للعزازي (2/139)
4. روضة الطالبين (2/347)
5. الجامع لأحكام الصيام، محمود عبد اللطيف محمود عويضة
6. أحكام الصيام, للشيخ: خالد بن عثمان السبت.
7. انظر تمام المنة للعزازي وكتاب بداية الفقيه للدكتور سالم العجمي (ص352)
8. الموسوعة الفقهية، إعداد: مجموعة من الباحثين/ موقع الدرر السنية.
9. انظر تمام المنة للعزازي وكتاب بداية الفقيه للدكتور سالم العجمي (ص353)