سلسلة (نور السالكين في أحكام وآداب الصائمين)
(1) كيف نسـتـقبل رمضـان؟
ها هو رمضان أقبلت بشائره، وذاك شهر الصيام لاحت بوارقه، فهل من مشمر لاغتنامه ؟ وهل من جاد لاستغلاله ؟فما أسرع ما تتصرم لياليه، وما أعجب ما تنقضي أيامه!
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «… ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغفر له» رواه الترمذي وصححه الألباني
أتى رمضان مزرعة العباد … لتطهير القلوب من الفساد
فـأدِّ حقوقـه قـولاً وفـعــلاً … وزادك فـــاتــخــذه للـمـــعـــاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها … تأوَّه نـادماً يـوم الحصاد
ينبغي للمسلم أن لا يُفرّط في مواسم الطاعات، وأن يكون من السابقين إليها ومن المتنافسين فيها، قال الله تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)[المطففين: 26]
مرحباً أهلاً وسهلاً بـالصيام … يـا حبيباً زارنا فـي كل عـام
قد لقيناك بحب مُفعمٍ … كُلُّ حب في سوى المولى حـرام
إنَّ بالقلب اشتياقاً كاللظى … وبعيني أدْمَعَ الحُبُّ سِجَام
نستقبل رمضان بأشياء منها:
أولاً: الدعاء بأن يبلغك الله شهر رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الدعاء هو العبادة» . أخرجه أصحاب السنن (وهو في صحيح أبي داود للألباني1329)
وكان السلف الصالح يدعون الله أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه أن يتقبله منهم.
إذا بلغتَ رمضان ورأيتَ الهلال تقول كما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا رأى الهلال قال :«اللهم أهِلَّه علينا باليُمن و الإيمان و السلامة و الإسلام ربي وربك الله» قال الشيخ الألباني : ( حسن ) انظر حديث رقم : 4726 في صحيح الجامع
ثانياً: الفرح والابتهاج، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبَشِّر أصحابه بقدوم رمضان يقول : «قد جاءكم شهر رمضان شهرٌ مبارك ، كتب الله عليكم صيامه ، فيه تُفتح أبواب الجنة وتُغلق فيه أبواب الجحيم ، وتُغَلُّ فيه الشياطين ، فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر ، من حُرِمَ خيرها فقد حُرِم» (رواه الإمام أحمد في المسند وقال الشيخ الألباني : صحيح وهو في صحيح الترغيب 1/49)
قال ابن رجب الحنبلي : قال بعض العلماء : هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان كيف لا يُبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان ، كيف لا يُبشر المذنب بغلق أبواب النيران ، كيف لا يُبشر العاقل بوقت تُغل فيه الشياطين ، من أين يشبه هذا الزمان زمان ” اهـ (لطائف المعارف (1/158)
ثالثاً: عقد العزم الصادق على اغتنامه وعمارة أوقاته بالأعمال الصالحة، فمن صدق الله صدقه وأعانه على الطاعة ويسَّر له سُبُل الخير، قال الله – عز وجل -: (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ) [محمد: 21].
رابعاً: العلم والفقه بأحكام رمضان، فيجب على المؤمن أن يعبد الله على علم، ولا يُعذر بجهل الفرائض التي فرضها الله على العباد، ومن ذلك صوم رمضان فينبغي للمسلم أن يتعلم مسائل الصوم وأحكامه قبل مجيئه، ليكون صومه صحيحا مقبولا عند الله تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [الأنبياء: 7].
خامساً: علينا أن نستقبله بالعزم على ترك الآثام والسيئات والتوبة الصادقة من جميع الذنوب، والإقلاع عنها وعدم العودة إليها، فهو شهر التوبة فمن لم يتب فيه فمتى يتوب؟! قال الله – تعالى -: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31]
سادساً: سلامة الصدر مع المسلمين … وألا تكون بينك وبين أيَّ مسلمٍ شحناء كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه إلا مشرك أو مشاحن» (صحيح الترغيب والترهيب 1016)
سابعاً: الاهتمام بالواجبات مثل صلاة الجماعة في الفجر وغيرها حتى لا يفوتك أدنى أجر في رمضان ، ولا تكتسب ما استطعت من الأوزار التي تعيق مسيرة الأجر .
ثامناً: الإقبال على القرآن الكريم تلاوةً وحفظاً ومراجعةً وتدبراً فهذا شهره لقوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [سورة البقرة: 185]
تاسعاً: محاسبة النفس على تقصيرها في تحقيق الشهادتين أو التقصير في الواجبات أو التقصير في عدم ترك ما نقع فيه من الشهوات أو الشبهات .. فيُقوّم العبد سلوكه ليكون في رمضان على درجة عالية من الإيمان.
عاشراً: الحرص على إفطار الصائمين فعن زيد الجهني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : «من فطر صائما كان له مثل أجر صومه غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء» (رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح)
ولا تنسَ الفقراء من أحب الأعمال إلى الله عز وجل سرورٌ تُدخله على قلبِ مسلم ولا شكّ سرورٌ تُدخله على فقير بوجبة في رمضان من أحب الأعمال إلى الله.
فهنيئاً لي ولكم ولأمة الإسلام هذا الموسم العظيم والشهر الكريم.
وحيهلا بأيامه المباركات وساعاته الطيبات.