سلسلة (نور السالكين في أحكام وآداب الصائمين)
(2) معنى الصوم وفضله
معنى الصوم:
الصوم في اللغة: هو الإمساك، وقد ورد الصوم بهذا المعنى في كتاب الله الكريم ، قال تعالى: (فكُلي واشربي وقَرِّي عيْناً فإِما تَرَيِنَّ من البَشَرِ أَحَداً فقولي إِني نَذَرتُ للرحمنِ صَوْماً فلن أُكلِّمَ اليومَ إِنْسِيَّاً) [سورة مريم: 26]
والصوم شرعاً: هو التعبد لله سبحانه وتعالى بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس.(1)
فضيلة الصوم:
1- إن الصيام جُنَّة وسُترة للصائم من الآثام ومن النار كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الصيام جُنَّة فلا يرفث، ولا يجهل، وإن امرؤ قاتَلَه، أو شاتَمَه فليقل إني صائم مرتين» .
2- ومنها: أن رائحة فَمِ الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، كما في حديث أبي هريرة السابق، فإن في آخره: «والذي نفسي بيده لَخَلُوف فَمِ الصائم أطيبُ عند اللهِ من رِيحِ المِسْك، يَتْرُكُ طَعَامَه وَشَرَابَه وَشَهْوَتَه من أجلي فهي أطيبُ عند اللهِ من رِيحِ المِسْك»
3- ومنها: أن الله أضافَ الصيام إليه من بين سائرِ الأعمال كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «قال الله كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به» .
4- ومن فضائل الصوم: أن الصيام وكذا الصلاة والصدقة كفارة لفتنة الرجل في أهله وماله وجاره فيما يقع من الكلام مع أهله، أو جاره مما لا يليق من نزاع، أو كلام، أو غضب، أو سبّ، أو نحوه، وكذا ما يحصل له من الانشغال بالمال.
كما ثبت في صحيح البخاري عن حذيفة قال: قال عمر – رضي الله عنه -: «من يحفظُ حديثاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الفتنة؟ قال حذيفة أنا سمعتُه يقول: فتنةُ الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة قال: ليسَ أسألُ عن هذه، إنما أسألُ عن التي تموج كما يموجُ البحر، قال: وإنَّ دون باباً مُغلقاً قال: فيُفتح، أو يُكسَر؟ قال: يُكسر، قال: ذلك أجدرُ أن لا يُغلق إلى يوم القيامة».
5- ومن فَضَائلِ الصوم: أنَّ في الجنّة باباً للصائمين يُقال له الريَّان يدخلون فيه دون غيرهم كما ثبت في الصحيحين عن سهل – رضي الله عنه – عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إنَّ في الجنة بابا يقال له الريَّان يدخل فيه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل فيه أحد» .
6- ومن فضائل الصوم: أن لصائم رمضان عن إيمان واحتساب يُغفر له ما تقدم من الذنوب كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».
وصيام رمضان من أسباب مغفرة الذنوب ، لكن المغفرة مقيدة بهذا الشرط:
“إيمانا واحتسابا” أي إيمانا بالله ورسوله، وتصديقا بشريعته، واحتساباً للأجر والثواب، بأن يصومه إخلاصاً لوجه الله بنية لا رياء، ولا تقليدا، ولا تجلّدا لئلا يخالف الناس، أو لغير ذلك من المقاصد، ويضاف إلى هذا الشرط شرطٌ آخر لا بد منه في مغفرة الذنوب للصائم، أو القائم، وهو أداء الواجبات، وترك المحرمات لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عند مسلم: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر» فهما شرطان لمغفرة الذنوب.
7- ومن فضائل الصوم: أنَّ الصائم إذا لقي ربه فرح بصومه كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه» .(2)
الترهيب من إفطار شيء من رمضان:
عن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِىُّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِى رَجُلاَنِ فَأَخَذَا بِضَبْعَىَّ فَأَتَيَا بِى جَبَلاً وَعْرًا فَقَالاَ لِىَ : اصْعَدْ فَقُلْتُ : إِنِّى لاَ أُطِيقُهُ فَقَالاَ : إِنَّا سَنُسَهِّلُهُ لَكَ فَصَعِدْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِى سَوَاءِ الْجَبَلِ إِذَا أَنَا بَأَصْوَاتٍ شَدِيدَةٍ فَقُلْتُ : مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ قَالُوا : هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ ، ثُمَّ انْطُلِقَ بِى فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ مُشَقَّقَةٌ أَشْدَاقُهُمْ تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا قَالَ قُلْتُ : مَنْ هَؤُلاَءِ قَالَ : هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ » صحيح الترغيب والترهيب للألباني
ومعنى (ضبعي) وسط الذراع.
ومعنى (عواء) أي صراخ.
ومعنى (بعراقيبهم) جمع عرقوب وهو الوتر الذي خلف الكعب.
ومعنى (أشداقهم) جوانب الفم.
ومعنى (قبل أن تحلة صومهم) أي قبل أن يحل لهم ما حرم عليهم بسببه, والمراد أنهم يفطرون قبل تمام صومهم.(3)
________________
1.انظر كتاب الفقه الميسر لنخبة من العلماء، وكتاب تمام المنة للشيخ عادل العزازي، وكتاب الموسوعة الفقهية الميسرة للشيخ حسن العوايشة، وكتاب بداية الفقيه للدكتور سالم العجمي.
2. انظر كتاب الإلمام بشيء من أحكام الصيام للشيخ عبد العزيز الراجحي.
3. تمام المنة في فقه الكتاب والسنة، للشيخ عادل العزازي.