الأربعاء 13 شعبان 1446 - 12 فبراير 2025
جديد الموقع
بحث
التصنيفات
» وابصة بن معبد الأسدي .. (استفت قلبك، استفت قلبك)

سلسلة (الإفادة من تراجم الصحابة)
الصحابي وابصة بن معبد الأسدي رضي الله عنه

إن المتأملَ في سِيَر الصحابة رضي الله عنهم يجدها مَلْأى بالأحداث والشواهد الحياتية اليومية ، فكانوا رضي الله عنهم ينقلون لنا كل ما خَبَروه ورأوه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كل شيء ولا يخجلون من مسألته عن أي شيء يدور في خُلدهم فهي فرصه لهم لأنهم يعتقدون أن ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم حَقٌّ وأنه وحيٌ من السماء فكانوا رضي الله عنهم يتحيّنون الفُرَصَ ليلاً أو نهاراً ليسألوه عن أمور دينهم وآخرتهم فسألوه حتى عن الطير كيف يطير وسألوه عن أسماء آبائهم وسألوه عن كيف قضاء حاجتهم وسألوه عن الخمر والميسر ، كل ما يخطر على بالنا سألوه فَوَصَل لنا الدين كاملاً كما قال عليه الصلاة والسلام : «لقد تركتُكم على مثلِ البيضاءِ ، ليلِها كنهارِها ، لا يزيغُ عنها إلا هالكٌ» (صحيح الترغيب الألباني)
عن حذيفة : كان الناس يسألون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسألُه عن الشر مخافَةَ أن يُدركني.
وقد روى البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كنت أنا وجارٌ لي من الأنصار في بني أمية بن زيد – وهي من عوالي المدينة – وكنا نتناوب النزول على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، يَنْزِلُ يوماً وأنزِلُ يوماً ، فإذا نَزَلْتُ جِئْتُ بِخَبَرِ ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نَزَلَ فَعَلَ مثل ذلك .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! من أسعدُ الناس بشفاعتك؟ قال: «لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث» (صحيح البخاري)
وأمثلة على هذه الأسئلة كثيرة وموضوع الحديث عنه هو صحابي أسلم في السنة التاسعة للهجرة فلم يُثْنِه العَزْمُ أنه أسلمَ مُتأخّراً أن يتعلم من النبي صلى الله عليه وسلم ويُحْسِنَ صحبتَه ويأخذُ من فِيهِ دُرَرَ وَصَلَت لنا عن طريق هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه إنه الصحابي : وابصة بن معبد الأسدي.

نسبه :
أبو سالم الأسدي وقيل أبو الشعثاء وقيل أبو سعيد مُختلفٌ في نَسَبِه ، فقيل وابصة بن معبد بن مالك بن عبيد (جمهرة أنساب العرب لابن حزم)
وقيل : وابصة بن معبد بن الحارث بن مالك بن الحارث بن قيس بن كعب بن سعد بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة. (تاريخ الصحابة لابن حبان)
وقيل : وابصة بن معبد بن عبيد بن قيس بن كعب بن فهر بن منقذ بن الحارث بن ثعلبة بن دودان. (طبقات خليفة)
وقيل : وابصة بن عتبة بن قيس بن كعب بن بهد بن سعد بن الحارث بن ثعلبة بن دودان (الجمهرة للكلبي) . وقيل : وابصة بن معبد بن عتبة بن الحارث بن قيس بن كعب بن سعيد بن الحارث بن ثعلبة بن دودان. (الإصابة)
فهو بهذا النسب يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في جَدَّيهِما : خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

إسلامه :
هذا الصحابي تأخَّرَ إسلامُه إلى ما بعد فتحِ مكة فقد أسْلَمَ في سنة تسع للهجرة ففي الطبقات الكبرى لابن سعد أنه وَفَدَ في عشرةِ رهطٍ من بني أسد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا وذلك سنة تسع.

وابصة والصلاة خلف الصفوف :
فحين أسلَمَ رضي الله عنه دَخَلَ المسجد للصلاة فَصَلّى خَلْفَ الصفوف وحده فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد . فعَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: حَدَّثَنِي هَذَا (وابصة بن معبد) أَنَّهُ : صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ صَلَاتَهُ. (أحمد بسند صحيح)
وفي رواية: عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ: «انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلٌ يُصَلِّي خَلْفَ الصُّفُوفِ وَحْدَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ صَلَاتَهُ. (والمصلي هو وابصة الراوي للحديث).

وابصة يَنقلُ لنا صِفَةً من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم :
وكان حرصُ الصحابة رضي الله عنهم عن نقل فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته لقوله صلى الله عليه وسلم : «صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي» (صحيح الجامع للالباني) . وقوله : «بلغوا عني ولو آيةً» (صحيح البخاري) . أن نقلوا لنا كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وكيف كان النبي عليه الصلاة والسلام يصلي ، فعند ابن ماجه في سننه عن وابصة رضي الله عنه أنه قال : رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يصلي فكان إذا ركع سوَّى ظهره ، حتى لو صُبَّ عليه الماء لاستقر. (صححه الألباني)

وابصة يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن البر :
ذَكَرْنا أنَّ الصحابةَ كانوا يُحبون أن يسألوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم ويتعلموا منه أمورَ دينهم ودنياهم وآخرتهم فنجد وابصة رضي الله عنه حين أسلم يتعلم منه صلى الله عليه وسلم ويسأله السؤال الجامع الشافي :

فعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْأَسَدِيِّ قَالَ: «جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَأَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أَدَعَ مِنَ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ شَيْئًا إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي عِصَابَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَوْلَهُ، فَجَعَلْتُ أَتَخَطَّاهُمْ لِأَدْنُوَ مِنْهُ، فَانْتَهَرَنِي بَعْضُهُمْ فَقَالَ: إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقُلْتُ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَدْنُوَ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “دَعَوْا وَابِصَةَ، ادْنُ مِنِّي يَا وَابِصَةُ “. فَأَدْنَانِي حَيْثُ كُنْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: “أَتَسْأَلُنِي أَمْ أُخْبِرُكَ؟”. فَقُلْتُ: لَا. بَلْ تُخْبِرُنِي. فَقَالَ: جِئْتَ تَسْأَلُ عَنَ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ”. قُلْتُ: نَعَمْ. فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُثُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي وَقَالَ: “الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ». (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بِاخْتِصَارٍ عَنْهُ، وَرِجَالُ أَحَدِ إِسْنَادَيِ الطَّبَرَانِيِّ ثِقَاتٌ)
وله شاهد صحيح عن وابصة بن معبد الأسدي رضي الله عنه؛ قال: أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأنا أريد أن لا أَدَعَ من البر والإثم شيئا إلا سألتُه عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جِئْتَ تسأل عن البِر والإثم؟» . قال: قلت: نعم. قال: فجمع أصابعه، فضرب بها صدره، وقال: «استفت قلبك، استفت قلبك يا وابصة» (ثلاثاً) : «البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك». (سنده حسن) رواه: الإمام أحمد، والدارمي، والطبراني. قال الهيثمي: “ورجال أحد إسنادي الطبراني ثقات”.

ونجد في هذا الحديث أمور منها :
ـ حُبُّ وابصة للنبي صلى الله عليه وسلم فنجده يشق الصفوف ليتعلم منه.
ـ حضور السؤال في قلب وابصة قبل ملُاقاة النبي صلى الله عليه وسلم.
ـ كراهية شَق الصفوف إلا لطالب العلم وإفساح الطريق له.
ـ جواز للعالم أن يقدم السائل ليدنوا منه ليفهم منه ما يسأل.
ـ معجزة النبي صلى الله عليه وسلم حين علم ما يسأل عنه وابصة قبل أن يسأله.
ـ الجواب المختصر للنبي صلى الله عليه وسلم والشافي لوابصة رضي الله عنه لقوله صلى الله عليه وسلم : «استفت قلبك».

وابصة في حجة الوداع :
استمر وابصة بالمدينة منذ أسلم وكان يَسكُنُ مع أهل الصُّفَّة ؛ ففي حلية الأولياء : كان وابصة يُجالس الفُقَرَاء ويقول : هم إخواني على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . جلس يطلب العلم حتى خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة حاجَّاً حجة الوداع فخرج معه وصحبه وشهد حجة الوداع وخطبة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فعنه : أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ فِي النَّاسِ يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ فَيَقُولُ: إِنِّي شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ يَوْمٍ أُحْرِمُ؟» ، فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ، وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ شَهْرٍ أُحْرِمُ؟» ، قَالُوا: هَذَا، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ بَلَدٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً؟» ، فَقَالَ النَّاسُ: هَذَا، فَقَالَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟» ، فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ» ، يَقُولُهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: «لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ» ، قَالَ وَابِصَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَإِنَّا شَهِدْنَا وَغِبْتُمْ، وَنَحْنُ نُبَلِّغُكُمْ. (رجاله ثقات البزار)

لم يذكر أهل المغازي أن وابصةَ رضيَ الله عنه خَرَجَ مع النبي صلى الله عليه وسلم ، في أيٍّ من غزواته وذلك بسبب تأخر إسلامِه ، وذكروا أن وابصة رجع إلى بلاده . فلعله رجع إلى يلاده بني أسد بعد حجة الوداع ، وَسَكَنَها وثَبَتَ على إسلامه بعد أن ارتدت بني أسد مع متنبئها طليحة الأسدي ، ثم بعد أن عادت قبيلته للإسلام غادرها مُتجهاً للكوفة فَسَكَنَها وكان يَنْشُرُ العِلم هناك مع الصحابة رضي الله عنهم ، وكان مُلازِماً لعبدالله بن مسعود رضي الله عنه وكان عبدالله بن مسعود يزورُه فعَنْ عَمْرِو بْنِ وَابِصَةَ الْأَسَدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إِنِّي لَفِي دَارِي بِالْكُوفَةِ إِذْ سَمِعْتُ عَلَى بَابِ الدَّارِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَلِجُ؟، فَقُلْتُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، لِجْ، فَلَمَّا دَخَلَ إِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَيُّ سَاعَةٍ زِيَارَةٌ هَذِهِ؟، وَذَلِكَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ: طَالَ النَّهَارُ عَلَيَّ فَتَذَكُرَتُ مَنْ أَتَحَدَّثُ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُحَدِّثُهُ، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنِي، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَكُونُ فِتْنَةٌ النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمُضْطَجِعِ، وَالْمُضْطَجِعُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الرَّاكِبِ، وَالرَّاكِبُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمُجْرِي، قَتْلَاهَا كُلُّهَا فِي النَّارِ» ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَتَى ذَلِكَ الزَّمَانُ؟، قَالَ: «ذَلِكَ أَيَّامُ الْهَرْجِ» ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا أَيَّامُ الْهَرْجِ؟، قَالَ: «حِينَ لَا يَأْمَنُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ» ، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الزَّمَانَ؟، قَالَ: «ادْخُلْ دَارَكَ» ، قُلْتُ: فَإِنْ دُخِلَ عَلَيَّ بَيْتِي؟، قَالَ: «فَادْخُلْ مَسْجِدَكَ، وَضَعْ يَدَكَ هَكَذَا» ، وَقَبَضَ يَمِينَهُ عَلَى الْكُوعِ، وَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَتَّى تُقْتَلَ عَلَى ذَلِكَ». (والحديث بهذا الطريق ضعيف ولكن الألباني صحَّحَ حديث ابن مسعود فقط)

وفي روايةٍ أخرى عن وابصة رضي الله عنه قال : بينا أنا في دارٍ لي بالكوفة قاصية وأمير المصر يومئذٍ عبد الله بن مسعود خليفة أمير المؤمنين الخليفة عثمان إذا رجل في نحر الظهيرة يستأذن على باب الدار الأقصى فإذا عبد الله بن مسعود فقلت : أبا عبد الرحمن ما جاء بك في هذه الظهيرة؟ قال : اللهم ألا إن النهار طال علي فذكرتُ من أتحدثُ إليه فذكرتُك . فجرى بيني وبينه الحديث حتى أنشأ يحدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني فقال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إن فتنة مظلمة أو مطلمة جائية ، المضطجع فيها خير من القاعد ، والقاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الراكب ، والراكب فيها خير من المجري» قلتُ : متى ذاك يا ابن مسعود؟ فقال : تلك أيامُ الهَرْج حين لا يأمَنُ الرجل جليسه قلت : ما تأمرني إن أدركني ذلك الزمان قال : تكف لسانك وتكون حلسا من أحلاس بيتك قال : فلما قتل عثمان طارَ قلبي مطارا فركبتُ حتى أتيتُ دمشق ، فلقيت خريم بن فاتك الأسدي فحدثني أو قال فحدثت بحديث عبد الله بن مسعود فقال لي خريم : الله الذي لا إله إلا هو لأنت سمعته من عبدالله؟ قلتُ : الله الذي لا إله إلا هو لأنا سمعته من عبدالله . قال فحلف لي خريم لسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثنيه عبد الله.

وابصة يهرب من الفتن ويسكن الرقة :
وَقَعَ الخلافُ بين الصحابةِ رضيَ الله عنهم بعد مَقْتَلِ عُثمان رضي الله عنه وَحَدَثَ ما حَدَثَ من اقتتال بينهم فكان حديث ابن مسعود رضي الله عنه منهاجا لوابصة رضي الله عنه فلا يريد أن يدخل فيما شَجَرَ بين الصحابة عليهم رضوان الله فغادر الكوفة أرض العلم مُتجهاً إلى الجزيرة الفُراتية فسكن الرقة (حالياً محافظة في سوريا) وعاشَ بها إلى أن توفي ودُفِنَ بها رضي الله عنه . فمنها نُشِرَ عنه العلم وتوافد عليه التابعين ليأخذوا منه الحديث فهذا التابعي هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، يقَولَ: قدمتُ الرقة، فقال بعض أصحابي: هل لك في رَجُلٍ من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقلت: غنيمة، فدفعنا إلى وابصة بن معبد فقلت لصاحبي أو لأصحابي: نبدأ فننظر إلى دله، فإذا عليه قلنسوة لاطية ذات أذنين وبرنس خز أغبر، وإذا هو قائم يصلي، يعتمد على عصاً في صلاته. فقلنا له بعد أن سلَّمْنَا عليه: ما دعاك إلى العصا؟ قال: حدثتني أم قيس بنت محصن رضي الله عنها : أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أسن وحمل اللحم اتخذ عَمُوداً في مُصلاّه يعتمد عليه. (على شرط البخاري ومسلم)

زهده رضي الله عنه :
ومن زهده رضي الله عنه :عن أَبِي رَاشِدٍ الْأَزْرَقِ، قَالَ: كُنْتُ آتِي وَابِصَةَ بْنَ مَعْبَدٍ الْأَسَدِيَّ، وَقَلَّ مَا أَتَيْتُ إِلَّا وَجَدْتُ الْمُصْحَفَ مَوْضُوعًا بَيْنَ يَدَيْهِ، حَتَّى أَرَى دُمُوعَهُ قَدْ بَلَّتِ الْوَرَقَ. (معرفة الصحابة لأبي نعيم)
وفي تاريخ دمشق : عن أبي راشد الأزرق قال : كنتُ آتي وابصة بن معبد وَقَلَّ ما أتيتُه إلا أصبتُ المصحف موضوعاً بين يديه ، ثم إن كان ليبكي حتى أرى دموعه قد بلت الورق . فقلتُ له : هل سألتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ؟ فقال : يا أبا راشد وهل تركت شيئا إلا وقد سألته عنه حتى عن وسخ الأطفال وفي رواية الأظفار قال : فقلتُ : فماذا قال لك ؟ قال : “ما رابك فالقه وما كان سوى ذلك فدعه”.

أولاده :
وَلَدُ وابصة أربعةً: عَمْراً، وعتبة وهو أكبر ولده ، وسالماً، وعبد الرحمن. فحدث عنه من ولده عمروٌ وسالمٌ .

رضي الله عن سيدنا وابصة بن معبد أبو سالم



ضع تعليقك