الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ،،،
يقول الحسن البصري – رحمه الله – : “يا ابن آدم ، إنَّما أنتَ أيَّام ، كلَّما ذهبَ يومٌ ذهبَ بعضُك” ، والناظر في حال كثير منَّا اليوم ، وكيف يقضون أوقاتهم ؛ من تضييع وإهدار للوقت – يعلم أنهم محرومون من نعمة استغلال العمر ، واغتنام الوقت ؛ ولذا نراهم ينفقون أوقاتهم ، ويهدرون أعمارهم فيما لا يعود عليهم بالنفع .
والعجيب في ذلك فَرَحُ الكثير منهم بمرور هذه الأيام والسنين ، وقد علموا أنها تقربهم إلى آجالهم ، وتبعدهم عن دنياهم !
أخي المسلم :
إنَّ للوقت أهمية عظيمة ، فعن ابن عباس – رضي الله عنهما – : أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلم – قال : «نِعْمَتانِ مغبونٌ فيهمَا كثيرٌ منَ النَّاس ِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ» [أخرجه البخاري برقم: 5933]
ثم إنَّ المسلم سوف يُسأل عن الوقت أمام الله – سبحانه وتعالى – يوم القيامة ؛ فعن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – : أنَّ رَسُولَ الله – صلى الله عليه وسلم – قال : «لا تزول قدما عبد يوم القيامة ، حتى يُسأل عن أربع خصال : عن عمره : فيمَ أفناه ؟ وعن شبابه : فيم أبلاه ؟ وعن مالِه : من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعَنْ عِلْمِه : ماذا عمل فيه؟» [أخرجه التِّرمذي برقم : 2340]
فالسَّاعات أغْلَى من أن تُنفَق في أحاديثَ فارغة ، أو مجالسَ غِيبة ، لا يتحرى فيها المسلمُ الصِّدق ، ولا يأمر فيها بالمعروف ، وكما قيل : الأيَّامُ ثلاثة ٌ: الأمسُ قد مضى بما فيه ، وغدًا لَعَلكَ تُدركه ، وإنَّما هو يومكَ هذا ، فاجتهد فيه .
قال يحيى بن معاذ : “إضاعةُ الوقت أشدُّ منَ الموت ؛ لأنَّ إضاعةَ الوقت انقطاعٌ عن الحقّ ، والموتُ انقطاعٌ عن الخلق”.
سَأل الفُضيل بن عِياض – رحمه الله – رَجُلا ً، فقال له : كم عمرك؟ فقال الرجل : ستُّون سنة ، فقال الفضيل : فأنت منذُ ستين سنة تسير إلى ربكَ ، تُوشك أن تصل ، فقال الرجل : إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون ، فقال الفضيل : مَن عَرَفَ أنَّهُ عبدٌ لله ، وأنَّه راجعٌ إليه ، فليعلم أنهُ موقوفٌ ومسؤول ٌ، فليعدَّ للسؤالِ جوابًا ، فقال الرجل ُ: ما الحيلةُ؟ فقال الفضيل : يسيرة ، تُحسنُ في ما بقي َ، يُغفر لك ما مضى ، فإنَّكَ إن أسأتَ فيما بقي َ، أُخذتَ بما مضى وما بقي.
يقول ابن الجوزي – رحمه الله – : “رأيتُ عُمومَ الخلائق يدفعونَ الزمانَ دَفعًا عجيبًا ، إن طالَ الليل ُ، فبحديثٍ لا ينفع ، أو بقراءةِ كتابٍ فيهِ غزاة وسمر ، وإن طالَ النَّهارُ فبالنوم ، وهم أطرافُ النَّهارِ على دجلة أو في الأسواق .. إلى أن قال : فاللهَ اللهَ في مواسمِ العمر ، والبدارَ البدار قبلَ الفوات ، فكأن قد حَدَا الحادي فلم يُفهم صوتهُ من وقع الندم” . ا هـ ، فهذا ابن الجوزي يَتَكَلَّم عن زمانه ، فماذا نقول عن هذا الزمان؟!
وانظر إلى هذه المواقف التي تبين لنا مدى حرص سلفنا الصالح على الوقت ، فإن معرفة أحوالهم وقراءة سِيَرِهم أكبر عون للمسلم على حُسن استغلال وقته ، فهم خير مَن أدرك قيمة الوقت وأهمية العمر ، وهم أروع الأمثلة في اغتنام دقائق العمر ، واستغلال أنفاسه في طاعة الله.
– قال ابن مسعود – رضي الله عنه – : “ما ندمتُ على شيءٍ ندمي على يومٍ غرَبَت فيه شمسُهُ ، نَقَصَ فيه أجَلي ، ولم يزدَدْ فيه عَمَلي”.
– وقال حمَّادُ بن سلمة : “ما جِئنا إلى سليمان التَّيْمِي في ساعةٍ يُطاعُ اللهُ فيها إلاَّ وجدناهُ مُطيعًا ، إنْ كان في ساعةِ صلاةٍ وجدناهُ مُصلّيًا ، وإن لم تكنْ ساعة صلاةٍ وجدناهُ إمَّا متوضِّأً أو عائدًا مريضًا ، أو مشيِّعًا لجنازة ، أو قاعدًا في المسجد” ، قال : فكُنَّا نرى أنَّهُ لا يُحسنُ أن يعصي الله – عزَّ وجل .
– يقول الوزير الصالح يحيى بن زهير :
وَالوَقْتُ أَنْفَسُ مَا عُنِيتَ بِحِفْظِهِ وَأَرَاهُ أَسْهَلَ مَا عَلَيْكَ يَضِيعُ …
فالحرصَ الحرصَ على الوقت ، والبدارَ البدارَ كما جاء في الأخبار ، واستغلَّ وقت الشباب في الأعمال النافعة قبل المَشِيب ، فتقول ليتَ الشباب يعودُ ، فيكون حالك كحال القائل :
بَكَيْتُ عَلَى الشَّبَابِ بِدَمْعِ عَيْنِي فَلَمْ يُفِدِ البُكَاءُ وَلاَ النَّحِيبُ
أَلا لَيْتَ الشَّبَابَ يَعُودُ يَوْمًا فَأُخْبِرَهُ بِمَا فَعَلَ المَشِيب ُ.
وصلّى اللهُ وسلمَ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.