الأحد 6 ربيع الأولI 1447 - 28 سبتمبر 2025
جديد الموقع
بحث
التصنيفات
» توجيهات للمقبلين على الزواج

الحمد لله القائل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].

 والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد الذي قال: (وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) [متفق عليه]. وعلى آله وصحبه أجمعين وأزوجه أمهات المؤمنين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

إن الخير كل الخير، والتوفيق غاية التوفيق، والنجاة والسلامة والرشاد، في اتباع كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يشك في ذلك مسلم، ولا يرتاب في ذلك عاقل، ولا يتردد في ذلك مؤمن بالله واليوم الآخر، ورب العزة يقول في كتابه: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} [الأنعام: 38].

وليس في الوجود دين يُنظم حياة الناس، ويحل مشاكلهم، كدين الاسلام الحنيف، حيث أعطى الانسانية جميعا كل ما تحتاج إليه في الوصول إلى السعادة والطمأنينة والأمان.

 فقد نظم الاسلام العلاقات العامة والخاصة بين الناس، وعلى رأس ذلك العلاقة بين الزوجين، فوضع لهما نظام أسرة تقوم على أمتن الروابط، وعلى أقوى الدعائم، في أسمى صورة مما يتطلع إليه البشر.

وإن من رحمة الله بعباده أن خلق لهم من أنفسهم أزواجاً يسكنون إليها، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]. .

 وفي هذه الآية معانٍ عظيمة؛ فمنها:

– أن المرأة التي تقترن بها بطريق الزواج ليست من جنس آخر غريب عنك فتستوحش منه؛ بل هي قريبة منك جداً؛ بل هي مخلوقة منك، فإن حواء خلقت من آدم عليه السلام.

– والأمر الآخر هو تلك المودة والرحمة، وذلك الأنس والسكن الذي جعله الله بين المتزوجين، مما لا يصفه ولا يدرك كنهه إلا من أدرك الزواج، وأما أهل العلاقات المحرمة، فلا يشعرون بما يشعر به المتزوجون الذين سلكوا الطرق الشرعية. (1)

إن الحياة الزوجية من أهم جوانب الحياة الانسانية، التي يمر بها الرجل والمرأة، فهي تشغل الجزء الأكبر من حياتهما، فإن كانت الحياة الزوجية لديهما قائمة على الحب الصادق، والوفاق التام، كانت حياتهما سعيدة، يظللها الأمن والاستقرار والمودة، وهذا يعني أنهما يُنشآن جيلاً طيباً يعرف للحياة قدرها، وللسعادة مكانتها فيما يستقبل من أعباء ومسؤوليات؛ ولهذا كانت الحياة الزوجية السعيدة الهانئة، عماد الأجيال الصاعدة.

ونظراً لما لهذا الموضوع من أهمية كبرى، وغاية عظمى، في حياة الناس جميعاً، تقدمت بهذه التوجيهات (للمقبلين على الزواج)، جمعتها من بعض المقالات التي كتبت في هذا الخصوص بأقلام علماء أجلاء وباحثين متخصصين، دفعني إلى كتابتها النصح لإخواني المسلمين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) [صحيح مسلم: 1/ 74]. وكذلك من باب الحرص على سلامة بيت الزوجية من التصدع والانهيار.

 ومما دفعني إلى مثل هذا ما نجد من الأسئلة! وما نسمع من حكايات المتزوجين في السنوات الأخيرة! والتي تدل على وجوب فقه هذه المسائل قبل الزواج، حتى لا يقع الندم، ولات ساعة مندم!

وقد جعلتها مسائل مختصرة لما نعلم من العزوف عن التطويل، وإلا فإن الحاجة قائمة لقراءة المطولات في هذا الموضوع المهم، ولعلي من فترة لأخرى -إن يسر الله- أن أجمع بعض التوجيهات الأخرى، أو أجعلها على شكل سلسلة منتظمة، يجد قارئها فيها بغيته. وهذا مني جهد المقل سائلاً الله أن ينفع به المسلمين وأن يدرأ به الشرور إنه سميع مجيب.

أولا: أيها الزوجان الكريمان! يسر الله لكما الزواج! فإنه نعمة قد ساقها الله إليكما، فاحرصا عليها بسؤالكم الله جل وعلا: (اللهم بارك لي في أهلي، وبارك لهم فيَّ، واللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير، وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير). كما صح عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفا. [آداب الزفاف، للألباني:96]

ثانيا: احمدا الله على ما منَّ به عليكما من هذه النعمة، فكم من شاب وشابة يتمنى هذه النعمة أن يرزقه الله إياها! فإنه بالشكر تدوم النعم، قال جل وعلا: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]

ثالثا: ليعرف كل واحد منكما ماله وما عليه، حتى تسير الحياة بعيداً عن المنغصات: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228] وقال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه في خطبة عرفة: (فاتقوا الله في النساء! فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله) الحديث [صحيح مسلم:2/ 889]، ولتعلم المرأة أن من أعظم ما يقصر نظر الزوج إليها! عنايتها بجمالها، ولباسها، وأناقتها لزوجها، وكذا يجب على الزوج مثل ذلك بالمعروف. مع الحذر في أمر الزينة مما قد يوقع في محذور شرعي أو ضرر صحي.

رابعا: مما يعين على دوام العشرة إصلاح الحال، وغض الطرف عن الأخطاء، ففي الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رضي مِنْهَا آخَرَ). أَوْ قَالَ: (غَيْرَهُ) [صحيح مسلم:2/ 1091]

خامسا: الزواج حب وعطاء، وأولى الناس بالحب والعطاء من اخترته شريكاً لك، وليبذل كل واحد قصارى جهده لاستمرار هذا الشراكة، والبحث عن أسباب دوامها، ولا تغفلا عن الدعاء. فتوكلا على الله، واعلما أن التضحية من كل واحد منكما على حسبه يكون العطاء من الآخر. ومما يزيد المحبة بينكما احترام كل واحد منكما أهل الآخر.

سادسا: من الأخلاق الرديئة! إفشاء الأسرار الزوجية!، قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وتفضي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا) [صحيح مسلم: 2/ 1060]، ومن تعاليم الإسلام ومفاخر العرب: الغيرة على الأعراض، ومن ذلك: حفظ أسرار البيت وما يجري فيه.

سابعا: البيت هو محل الأنس والتقارب بين الزوجين، فليكن طاهراً من آلات اللهو والصور، فإن (الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة) [متفق عليه]. وإذا لم تدخل الملائكة! البيت، صار مأوى للشياطين!

ثامنا: اعلما أن من أعظم مقاصد الزواج الذرية الصالحة، فاستعدا لذلك بقراءة ما كُتب في شأن تربية الأبناء. و أذكركم بما جاء في الصحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قال صلى الله عليه وسلم: (لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يأتي أَهْلَهُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ في ذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا) [متفق عليه].

تاسعاً: تذكر أيه الزوج! أن أغلى أمانة عندك هي زوجتك، فقد انتقلت من حنان أمها، وعطف أبيها، واحترام أهلها، لتجد البديل عندك، فلتشعرها حقا بأنها في بيت السعادة الزوجية، ومن تكريمها الاهتمام برأيها، ومن احترامها حسن الكلام معها، وقد أوصاك الرسول صلى الله عليه وسلم بها خيرا فقال: (استوصوا بالنساء خيرا) [متفق عليه].

عاشرا: أيها الزوج! إن المصارحة تقوي العلاقة بينكما، وتساعد على تنظيم الأمور المادية في الحياة الزوجية، فإذا ساءت ظروفك المادية وهي لا تشعر بذلك -بسبب حرصك على الظهور أمامها بمظهر الغنى والقدرة المادية- فقد يكون من الحكمة حينها أن تصارحها كشريكة حياتك، فتدرك وقتها واجبها في تدبير شؤونها وشؤون أولادها بالاقتصاد، فتقلل من المطالب المادية الزائدة عن الحاجة، وهذا عين الحكمة والصواب من جانبها، ولعله أن يبدل الله لكم بعد العسر يسرا.

أيها المسلمون!

إن العلاقة الزوجية من أهم العلاقات الإنسانية هي، وذلك لأنها العلاقة الوحيدة التي تؤثر تأثيرا قويا على مستقبل المجتمع. . بل الأمة كلها! وذلك إذا وظفت لتحقيق مقاصدها الصحيحة. . ولأن فيها توظيفاً للكثير من طاقاتها الفطرية الكامنة في الزوجين.

ولها أثر كبير في تربية الأجيال، لأن رؤيتهم لقدوات ناجحة في علاقاتهم الزوجية سيترتب عليه توريث هذا النجاح من الأبوين للأولاد، فيتحقق التوازن النفسي، والاستقرار العائلي، ويزيد الإنتاج ويكثر العمران المعنوي والمادي، بسبب نجاح العلاقة الزوجية.

وختاما أيها الإخوة هذا جهد مقل، ولا أدعي أني أحطت الموضوع من جميع جوانبه، بل هي إشارات أردت منها التنبيه على هذه القضية المهمة، التي نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا إليها، وأن يسعدنا وإياكم في الدنيا والآخرة، وأن نعيش عيش السعداء، ونموت موت الشهداء، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

* الهوامش:

(1)  حسن العشرة، فؤاد عبدالعزيز الشلهوب، ص:1.



تعليقان 2

  1. نوار ظفار

    جزاكم الله خيرا


    رد


    11 أبريل 2014

    5:31 م

  2. أمين المعشني

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته …
    أشكرك أستاذي العزيز / مسلم بن سهيل البرعمي على هذا المقال الجميل وهو توجيهات للمقبلين ع الزواج
    ونتمنى أن نرى المزيد من هذه المقالات الهادفة لخدمة شباب الأمة.
    وأتقدم بشكر خاص لفضيلة الشيخ عبدالله بن سالم سكرون على هذا الموقع المتميز.


    رد


    11 يونيو 2014

    12:10 ص

ضع تعليقك