الأحد 6 ربيع الأولI 1447 - 28 سبتمبر 2025
جديد الموقع
بحث
التصنيفات
» كل مولود يولد على الفطرة

من المعلوم المتفق عليه “أن الله تعالى خلق الخلق جميعا على فطرة التوحيد، فآدم عليه السلام. هو الذي خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وأسكنه جنته، وجرى له في الجنة ما جرى، وعلى تعاليم رسالة آدم نشأ بنوه وعلى نهجه ساروا ” [القبورية في اليمن: ص83 ]

وقال عكرمة رحمه الله: ” كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على اﻹسلام “. ذكره الطبري في تفسيره (ج23/ 639).

فاﻷصل أن آدم عليه السلام وذريته كانوا على دين اﻹسلام الخالص، وهو التوحيد لله تعالى، وعبادته وحده دون  ما سواه، واستمر بهم اﻷمر على هذا الحال عشرة قرون، والقرن: مائة سنة. أي: ألف سنة كلها على التوحيد واﻹسلام.

فلما وقع الشرك في قوم نوح، بعث الله إليهم نوحا عليه السلام وكان أول رسول بعثه الله إلى اﻷرض. وأول ما حدث الشرك في اﻷرض في قوم نوح، حين غلوا في الصالحين، قال تعالى عنهم: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا} [نوح:23].

قال البخاري في صحيحه عن ابن عباس-رضي الله عنهما-: “هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا؛ أي: ماتوا. أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، ونسي العلم؛ عبدت”.

قال ابن القيم: “قال غير واحد من السلف: لما ماتوا؛ عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم اﻷمد، فعبدوهم”. (إغاثة اللهفان “202-2)

وفي اﻷثر السابق إشارة مهمة جدا في قوله: (فنسي العلم) يدلك على عظم العلم الشرعي علم الكتاب والسنة، وأنه عصمة ونجاة لمن تمسك به، وظهور الجهل في الدين منذر خطر للأمة. نسأل الله السلامة والعافية.

ومن خلال ما سبق من اﻷدلة يتبين أن الشرك طارئ في البشرية، واﻷصل فيها هو التوحيد. وهذا اﻷمر -من نشأت البشرية على التوحيد- هو ما قرره القرآن الكريم وشهدت به السنة.

أما القرآن فمن ذلك قول الله تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الروم: 30]

قال ابن كثير رحمه الله: ” فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره “. تفسير ابن كثير (ج11/ص26).

وقد أكدت ذلك السنة وبينته، فيما رواه اﻹمام البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه. كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء).

الجدع: القطع البائن. وقيل هو قطع اﻷنف أو اﻷذن. “تاج العروس. ج20/ 52”.

ولفظ مسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ).

والجمعاء من البهائم: التي لم يذهب من بدنها شيء.  والمعنى: “أن البهيمة تلد البهيمة كاملة اﻷعضاء لا نقص فيها، وإنما يحدث فيها الجدع والنقص بعد ولادتها، فكذا اﻷصل في بني آدم عندما الولادة فهم على الفطرة، ثم يحصل فيها النقص أو التغيير بعد ذلك من التهويد أو التنصير أو التمجيس”

ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه. واقرؤوا إن شئتم: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله}.

“قال ابن عبد البر: وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بالفطرة في اﻵية هي: اﻹسلام. “وهي: السلامة من الاعتقادات الباطلة والقبول للعقائد الصحيحة. واحتجوا بقول أبي هريرة في آخر حديث الباب. ” (فتح الباري. ج4/ 182). بتصرف يسير. و(التمهيد. ج18-72).

ومما استدلوا به على أن المراد بالفطرة اﻹسلام:

الحديث الذي رواه مسلم. من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم). وقد رواه غير مسلم. فزاد فيه (حنفاء مسلمين).

ورجحه بعض المتأخرين بقوله تعالى: (فطرت الله). ﻷنها إضافة مدح، وقد أمر الله نبيه بلزومها، فعلم أنها اﻹسلام.

 ومما يجدر تنبيه القاريء عليه في مفهوم الفطرة، ما ذكره اﻹمام ابن تيمية-رحمه الله-بقوله:

“وإذا قيل: إنه ولد على فطرة اﻹسلام، أو خلق حنيفا ونحو ذلك. فليس المراد به أنه حين خرج من بطن أمه يعلم هذا الدين ويريده. فإن الله تعالى يقول: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا} (النحل-78).

ولكن فطرته مقتضية موجبة لدين اﻹسلام، لمعرفته ومحبته، فنفس الفطرة تستلزم اﻹقرار بخالقه ومحبته وإخلاص الدين له، وموجبات الفطرة ومقتضاها تحصل شيئا بعد شيء بحسب كمال الفطرة، إذا سلمت عن المعارض.

وليس المراد مجرد قبول الفطرة لذلك أكثر من غيره، كما أن كل مولود يولد فإنه يولد على محبة ما يلائم بدنه من اﻷغذية واﻷشربة، فيشتهي اللبن، الذي يناسبه. وهذا من قوله تعالى: {ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}. (طه-50). فهو سبحانه خلق الحيوان مهتديا إلى طلب ما ينفعه، ودفع ما يضره، ثم هذا الحب والبغض يحصل فيه شيئا فشيئا بحسب حاجته”. (درء تعارض العقل والنقل: 8/ 383-384). مختصرا.

فخلاصة القول في المقصود بالفطرة أنها “التوحيد، وذلك باﻹقرار بوحدانية الله سبحانه وأصل استحقاقه للعبودية، وإلا فالتفاصيل تتلقى عن اﻷنبياء والرسل”. [شرح الطحاوية، للشيخ يوسف الغفيص:4-12].

فإذا تقرر هذا فإن من المهم جدا أن يعلم المسلم أسباب انحراف الفطرة ليتجنبها، وسبل النجاة من ذلك، فما هي اﻷسباب، وكيف النجاة منها؟!

فأعظم مفسدات الفطرة تتضح من خلال الحديثين السابقين:

اﻷول: قوله عليه الصلاة والسلام: “فاجتالتهم الشياطين”.

 أي: “صرفتهم إلى عبادة اﻷصنام، واتخاذها أربابا من دون الله؛ فوقعوا في الضلال والضياع، والتفرق والاختلاف؛ كل يتخذ له ربا يعبده غير رب اﻵخر؛ ﻷنهم لما تركوا الحق، ابتلوا باتخاذ اﻷرباب الباطلة” كما قال تعالى: (فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال). [يونس: 32].

فالشيطان هو المفسد للفطر السليمة، وهو الداعي إلى عبادته، وقد قال الله تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين). [يس: 60].

والنجاة من هذا والخلاص منه إنما يكون بالالتجاء إلى الله تعالى، والاعتصام به، والتعوذ من الشيطان الرجيم، قال تعالى: (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم). [عمران: 101].

الثاني: ما يغرسه اﻵباء في أولادهم، من التقليد المحض لهما، والتعليم والتلقين. وهذا يؤخذ من قوله: “فأبواه يهودانه… “. أي يعلمانه اليهودية ويجعلانه يهوديا، وكذا النصرانية، وغيرها. ولم يقل في آخر الحديث: ويسلمانه. فدل ذلك على أن الفطرة هي اﻹسلام.

اعلم أيها القاري المبارك أنه من اﻷهمية بمكان غرس العقيدة الصافية في نفوس الناشئة منذ صغرهم ونعومة أظفارهم، حفاظا على التوحيد الخالص لله رب العالمين، وسلامة للفطرة السليمة من أن تدنسها شائبة. واقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، في غرس العقيدة الصحيحة في أصحابه منذ الصغر.

 فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال: “يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن اﻷمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت اﻷقلام وجفت الصحف”. رواه الترمذي.

فاللهم احفظنا بحفظك يا حفيظ من كل سوء ومكروه. اللهم آمين.



تعليق واحد

  1. نوار ظفار

    اللهم آمين … احسن الله إليكم وجزاكم الفردوس الأعلى.


    رد


    11 أبريل 2014

    12:22 م

ضع تعليقك