سلسلة (الإفادة من تراجم الصحابة)
الصحابي أبو مسعود البدري رضي الله عنه
نسبه :
الصحابي العالم الجليل البدري العقبي الخزرجي أبو مسعود عُقْبَة بن عَمْرو بن ثَعْلَبَة بن أَسِيرَة بن عَسِيرَةَ بن عطية بن جِدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج .
أمه : سلمى بنت عازب وقيل غارب بن خالد بن الأجش بن عبدالله بن عوف من قضاعة.
إسلامه ومشاهده :
أسلم أبو مسعود رضي الله عنه قبل الهجرة ، وشهد العقبة الكبرى وكان من أحْدَث الإنصار سِنًّا يومئذ مع جابر بن عبدالله رضي الله عنهما .
شهوده بدرا والخلاف في ذلك :
اختلف في شهوده بدراً ، ولم يثبته المؤرخين فقالوا : أنه نزل بدراً فنُسب إليها فقيل البدري . وأثبته المحدثين كالبخاري ومسلم والحاكم وغيرهم . فعده البخاري منهم بالحديث الذي أخرجه من طريق عروة بن الزبير أنه قال : أخَّرَ المغيرة بن شعبة العصر وهو أمير الكوفة ، فدخل أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري جَدُّ زيد بن حسن وكان شهد بدرا فقال : لقد علمت نزل جبريل عليه السلام فصلَّى فصلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسَ صلوات ثم قال : «هكذا أُمِرتُ» .
ـ وروى شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني سليمان ، عمن لا يُتَّهم : أنه سَمِعَ أبا مسعود الأنصاري ، وكان قد شهد بدراً . والراجح أنه شهد بدراً لصحة الإحاديث المصرحة بذلك .
شهد أُحُد وما بعدها من المشاهد وشهد سرية فَدْك في السنة الثامنة للهجرة .
أبو مسعود في عصر النبي صلى الله عليه وسلم
ـ كان رضي الله عنه مُحِبًّا للعلم وحريصاً على طلبه فكان يتحرى زيارات النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وذلك لما يتخللها من نزول الوحي أو رواية حديث ، فعن أبي مسعودٍ عقبةَ بنِ عمرٍو الأنصاريِّ البدريِّ رضي اللَّهُ عنهُ قالَ: أتانا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلسِ سعدِ بنِ عُبادةَ ، فقال له بشيرُ بنُ سعدٍ : أَمَرَنا اللهُ تعالى أن نُصَلِّيَ عليك يا رسولَ اللهِ ، فكيف نُصَلِّي عليك ؟ قال: فسَكَتَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى تَمَنَّيْنا أنه لم يَسْأَلْه . ثم قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «قولوا : اللهمَّ، صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما صلَّيْتَ على آلِ إبراهيمَ ، وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما بارَكْتَ على آلِ إبراهيمَ ، في العالمين إنك حميدٌ مجيدٌ . والسلامُ كما قد عَلِمْتُم». (صحيح مسلم)
ـ عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه ، قال : جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال : إني أُبدِعَ بي فاحمِلْني . فقال «ما عندي» فقال رجلٌ : يا رسولَ اللهِ ! أنا أدلُّه على من يحملُه . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «من دَلَّ على خيرٍ فله مثلُ أجرِ فاعلِه». (صحيح مسلم)
ـ وكان رضي الله عنه سَبَّاقٌ لعمل الخير فعنه قال : كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أمَر بالصدَقَةِ ، انطَلَق أحدُنا إلى السُّوقِ فيُحامِلُ (أي فيشتغل ويحملون على ظهورهم بالأجرة ليتصدقوا بمالهم بعد ذلك) فيُصيبُ المُدَّ ، وإنَّ لبعضِهم لمِائَةَ ألفٍ . قال : ما تَراه يعني إلا نفسَه. (صحيح البخاري) بسبب الصدقة زادهم الله في مالهم .
امتثاله لأمر النبي صلى الله عليه وسلم :
في صحيح مسلم روى عنه أنه قال : كنتُ أضرب غلامًا لي بالسَّوطِ . فسمعتُ صوتًا من خلفي «اعلمْ ، أبا مسعودٍ !» فلم أفهمِ الصوتَ من الغضبِ . قال : فلما دنا مني ، إذ هو رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . فإذا هو يقول «اعلمْ ، أبا مسعودٍ ! اعلم ، أبا مسعودٍ !» قال : فألقَيتُ السوطَ من يدي . فقال : «اعلمْ ، أبا مسعودٍ ! أنَّ اللهَ أقدرُ عليك منك على هذا الغلامِ» قال فقلتُ : لا أضربُ مملوكًا بعده أبدًا . وفي روايةٍ : غير أنَّ في حديثِ جريرٍ : فسقط من يدي السَّوطُ ، من هيبتِه .
موقفه ومحبته للصحابة :
عَنْ خَالِدِ بْنِ رَبِيعٍ الْعَبَسِيِّ، قَالَ: سَمِعْنَا بِوَجَعِ حُذَيْفَةَ، فَرَكِبَ إِلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ فِي نَفَرٍ أَنَا فِيهِمْ إِلَى الْمَدَائِنِ. قَالَ: فَأَتَيْنَاهُ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: أَيُّ اللَّيْلِ سَاعَةٌ هَذِهِ؟ قُلْنَا: بَعْضُ اللَّيْلِ أَوْ جَوْفُ اللَّيْلِ. قَالَ: هَلْ جِئْتُمْ بِأَكْفَانِي؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: فَلا تُغَالُوا بِكَفَنِي فَإِنْ يَكُنْ لِصَاحِبِكُمْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يُبَدَّلُ خَيْرًا مِنْ كِسْوَتِكُمْ، وَإِلا سُلِبُ سَلْبًا سَرِيعًا، قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ عُثْمَانَ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ لَمْ أَشْهَدْ وَلَمْ أَقْتُلْ وَلَمْ أَرْضَ .
ومن روايته للأحاديث :
يعتبر أبو مسعود رضي الله عنه من ضمن الصحابة الذين يُفتون في عهد عمر رضي الله عنه ومن أكثر الصحابة رواةً للحديث ومعظم الأحاديث التي رواها صحيحة وهي من أكثر الأحاديث شهرة ومنفعة فمن هذه الأحاديث :
– حديث (إنكم منفرون) :
فعنه قال : قال رجلٌ : يا رسولَ اللهِ ، إني لأتأَخَّرُ عن الصلاةِ في الفجرِ ممَّا يُطيلُ بنا فلانٌ فيها ، فغضبَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، ما رأيتُهُ غضبَ في موضعٍ كان أشدَّ غضبًا منهُ يومئِذٍ ، ثم قال : «يا أيها الناسُ ، إنَّ منكم مُنَفِّرِينَ ، فَمَنْ أَمَّ الناسَ فليتجوَّزَ ، فإنَّ خلفَهُ الضعيفُ والكبيرُ وذا الحاجةِ» .(صحيح البخاري)
– حديث الإيمان في اليمن :
وعنه أنه قال : وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بيدِه نحو اليَمَنِ فقال : «الإيمانُ هاهنا » – مرتين – «ألا وإن القسوةَ وَغِلَظَ القلوبِ في الفَدَّادين – حيث يَطلُعُ قرْنا الشيطانِ – ربيعةَ ومضر» (صحيح البخاري)
– حديث صلاة جبريل أمام النبي صلى الله عليه وسلم :
فعنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «نزل جبريلُ فأمَّني فصليتُ معَه، ثم صليتُ معَه، ثم صليتُ معَه، ثم صليتُ معَه، ثم صليتُ معَه. يَحسُبُ بأصابِعِه خمسَ صلواتٍ» . (صحيح البخاري)
– حديث من يؤم الناس في الصلاة ؟
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يؤُمُّ القومَ أقرؤُهم لكتابِ اللهِ وأقدمُهم قراءةً . فإن كانت قراءتُهم سواءً فلْيَؤُمَّهم أقدمُهم هجرةً . فإن كانوا في الهجرةِ سواءً فليؤمَّهم أكبرُهم سِنًّا . ولا تُؤمَّنَّ الرجلَ في أهلِه ولا في سلطانِه . ولا تجلسْ على تكرِمَتِه ، في بيتِه ، إلا أن يأذنَ لك . أو بإذنِه» (صحيح مسلم)
– بعض ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم :
عنه قال : أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ نَهَى عَن ثمنِ الكَلبِ ، ومَهْرِ البغيِّ ، وحُلوانِ الكاهنِ. (الأم للشافعي وإسناده ثابت)
– حديث الوتر :
عن عقبة بن عمرو الأنصاري : أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ يوترُ من أوَّلِ اللَّيلِ وأوسَطِهِ وآخرِهِ . (صححه الألباني)
– حديث تسوية الصفوف :
عنه قال : كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يمسَحُ مَناكبَنا في الصَّلاةِ ويقولُ : «لا تختَلِفوا فتختلفَ قلوبُكُم ليليَني منكُم أولوا الأحلامِ والنُّهى ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم». (صححه الألباني) في صحيح ابن حبان زاد : قال أبو مسعودٍ: وأنتم اليومَ أشدُّ اختلافًا .
– حديث إقامة الصلب في الصلاة :
وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تجزىء صلاةٌ لا يقيمُ الرَّجلُ فيها – يعني – صلبَهُ في الرُّكوعِ والسُّجودِ» (صححه الألباني)
– حديث الحياء :
وعنه قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت» (صحيح البخاري)
– حديث النفقه على الأهل :
وعنه قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إنَّ المسلِمَ إذا أنفق على أهلِه نفقةً ، وهوَ يحتسِبُها ، كانَتْ لهُ صدقةً». (صحيح البخاري ومسلم)
– حرصه على السنة :
– كان رضي الله عنه متمسكا بطاعة الرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نهى عنه فقد روى البيهقي بسند صحيح عن أبي مسعود : أنَّ رجلًا صنعَ لهُ طعامًا فدعاهُ فقالَ أفي البيتِ صورةٌ ؟ قالَ : نعَم فأبى أن يدخلَ حتَّى كسرَ الصُّورةَ ، ثمَّ دخلَ . (إسناده صحيح للألباني)
– وعنه قال : صَلَّى بِنَا حُذَيْفَةُ عَلَى دُكَّانٍ مُرْتَفِعٍ فَسَجَدَ عَلَيْهِ فَجَبَذَهُ أَبُو مَسْعُودٍ فَتَابَعَهُ حُذَيْفَةُ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ أَلَمْ تَرَنِي قد تابعتك؟. (صححه الألباني)
– وكانَ رضي الله عنه يمسحُ على الجوربَينِ لهُ من شَعرٍ ونعلَيهِ .
– يوصي أحد التابعين فيقول له : “عَلَيْكَ بِعُظْمِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْمَعْ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضَلَالَةٍ أَبَدًا، وَاصْبِرْ حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ، ويُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ”. المستدرك للحاكم
ـ عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : سألت أبًا مسعود وهو يطوف بالبيت فقال : قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم : «من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» سنن أبي داود . وفي صحيح مسلم :عن عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ هاتَين الآيتينِ من آخر سورةِ البقرةِ ، في ليلةٍ ، كفَتاه». قال عبدُالرحمنِ بن مسعود : فلقِيتُ أبا مسعودٍ ، وهو يطوف بالبيت . فسألتُه فحدَّثني به عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم .
في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
سكن أبو مسعود رضي الله عنه الكوفة وكان علي بن أبي طالب يستخلفه عليها حين يخرج منها ، وكان رضي الله عنه يرى الصلح بين علي ومعاوية رضي الله عنهما ولا يرى القتال .
أولاده :
بشير بن أبي مسعود وأمه : هزيلة بنت ثابت بن ثعلبة رضي الله عنها وهو من صغار الصحابة.
مسعود بن أبي مسعود وأمه : بشيرة بنت قدامة بن وهب بن خالد بن عبدالله بن عقيل العامرية
أم بشير بنت أبي مسعود وأمها : بشيرة بنت قدامة بن وهب بن خالد بن عبدالله بن عقيل العامرية . تزوجت أم بشير من الحسن بن علي بن أبي طالب فولدت له : زيد وأم الخير ، وتزوجت أيضا : عبدالرحمن بن عبدالله بن أبي ربيعة المخزومي فولدت له : عمر بن عبدالرحمن . وتزوجت أيضا : الصحابي الجليل سعيد بن زيد رضي الله عنه فولدت له أم سعيد بنت سعيد.
أم غزية بنت أبي مسعود أمها : بشيرة بنت قدامة بن وهب بن خالد بن عبدالله بن عقيل العامرية . تزوجها الصحابي تميم بن يعار ثم خلف عليها أبو كبير بن خبيب بن يساف رضي الله عنه .
أم الوليد بنت أبي مسعود أمها : بشيرة بنت قدامة بن وهب بن خالد بن عبدالله بن عقيل العامرية . تزوجها : سعد بن زيد بن وديعة من بني سالم الحبلي فولدت له عبدالواحد بن سعد .
غزية بنت أبي مسعود وأمها : أم ولد . تزوجها : عبدالرحمن بن تميم بن نسر ، فولدت له زكريا ويحيى ، ثم خلف عليها : عبدالرحمن بن خبيب بن يساف ، ثم خلف عليها : ربعي بن تميم بن يعار .
وفاته :
اختلف في وفاته على أقوال منها أنه توفي في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقيل أول خلافة معاوية رضي الله عنه سنة أربعين للهجرة ، وقيل أواخر خلافة معاوية رضي الله عنه وهو الراجح لصحة الحديث الذي رواه البخاري عن تأخير الصلاة في ولاية المغيرة بن شعبة رضي الله عنه على الكوفة وكان ذلك في خلافة معاوية رضي الله عنه.