الأحد 6 ربيع الأولI 1447 - 28 سبتمبر 2025
جديد الموقع
بحث
التصنيفات
» التوبة.. تلك العبادة العظيمة

فإن التوبة عبادة عظيمة أوجبها الله تعالى على المؤمن، تطهيراً لقلبه وتزكيةً لعمله، فلا يدرك عظيم منزلتها إلا من استنار قلبه بنور الإيمان وخضعت جوارحه لله الواحد المنان. قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31]

قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير الآية الكريمة: ” قوله تعالى : {وتوبوا} أمرٌ، ولا خلاف بين الأمة في وجوب التوبة، وأنها فرض متعين … والمعنى: وتوبوا إلى الله فإنكم لا تخلون من سهو وتقصير في أداء حقوق الله تعالى ، فلا تتركوا التوبة في كل حال”.

وقال عليه الصلاة والسلام : (توبوا إلى الله، فإني أتوب إلى الله في اليوم مئة مرة) [صحيح الأدب المفرد: 621].

فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوب في اليوم مائة مرة، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.. فكيف بالعبد المذنب من أمثالنا؟! لا شك أن التوبة لازمة لحاله، واجبة في حقه.

فما هي التوبة؟ وما شروطها؟

التوبة :هي العودة من معصية الله إلى طاعته.

وتتحقق بشروط خمسة:

أولاً: الإخلاص: وهو أن تجعل توبتك خالصة لله تعالى، لا تبتغي من ورائها جاهاً ولا مالاً ولا شيئا من حطام الدنيا، بل تبتغي بذلك ثواب الله والدار الآخرة، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان أخلصه وأصوبه.

ثانياً: الندم: وهو أن تتحسر على اقترافك المعصية وتتمنى أنك لم تفعلها.

ثالثاً: الإقلاع عن المعصية: ويكون بترك المعصية على الفور دون تأخير.

رابعاً: العزم على عدم العودة إلى المعصية، وهي أن ينعقد قلبك على عدم العودة إلى المعصية ثانية، فإن ضعفت نفسك أمام المعصية ووقعت فيها فيجب عليك تجديد التوبة مرة أخرى.

خامساً: إرجاع الحقوق لأصحابها إن كانت متعلقة بحق آدمي، أما ما كان من حق الله تعالى فيكفي فيه الندم مع بقية الشروط السابقة، لقوله عليه الصلاة والسلام: (الندم توبة) [صحيح ابن ماجة : 3448]

وعلى العبد الصادق أن لا يمل من التوبة إلى ربه، فإن أنين التائبين وانكسار قلوبهم خير عند الله وأحب إليه من إعجاب الطائعين بأنفسهم، ذلك أن التائب الصادق تحققت في توبته عبادات عظيمة كثيرة من الإخبات لله، ورجائه، والخوف منه، والافتقار إليه، ومحبته، وتعظيمه، وغيرها من العبادات القلبية العظيمة الكثيرة.

قال عليه الصلاة والسلام فيما يحكي عن ربه عز وجل أنه قال:

(أذنب عبد ذنبًا فقال: اللهم! اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب.

ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب! اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب.

ثم عاد فأذنب فقال: أي رب! اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك) [صحيح البخاري:7507]

فلله الحمد والمنة أن جعل لنا باب التوبة مفتوحا وميسرا، ولم يجعل توبتنا كتوبة الأمم السابقة كما فعل الله ببني إسرائيل حيث فرض عليهم التوبة من عبادة العجل بأن يقتلوا أنفسهم جزاء فعلهم.

فانظر رحمة الله بنا!

وتأمل قول الله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء:28، 27]

بل إن الله يفرح بتوبتنا إليه وهو الغني عنا!

قال عليه الصلاة والسلام: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح ) [مسلم: 2747]

فهلا أقبلنا على الله بالتوبة، وجددنا العهد بإصلاح ما فات، والتزود من الصالحات، فإن النفوس ضعيفة والفتن مدلهمة ولا ملجأ ولا منجى منها إلا إلى رب العزة جل جلاله وعظم سلطانه.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه [الفوائد: ص79]: “جُمع فيك عقل المَلَك ، وشهوة البهيمة ، وهوى الشيطان وأنت للغالب عليك من الثلاثة : إن غلبت شهوتك وهواك زدت على مرتبة المَلَك ، و إن غلبك هواك وشهوتك نقصت عن مرتبة الكلب”.

فأي الحالين ترضى لنفسك؟!

إذاً فجدد التوبة، واعزم على هجر المعصية وأحسن العمل، وإياك و(سوف)، فإنها بضاعة المفاليس!

واعلم بأن الله قد يسر لنا الدين وبينه لنا أوضح بيان، فأمرنا بالتعلم عند الجهل والتوبة عند الخطأ والتقصير، وأبشر بما يسرك في الدنيا والآخرة.

 جعلني الله وإياك ممن إذا أُعطيَ شكرَ وإذا ابتُليَ صبرَ وإذا أذنب استغفر، والحمد لله رب العالمين.



تعليق واحد

  1. نوار ظفار

    آمين … مقال جدا رائع وتذكير نحتاجه من حين لحين … نفع الله بكم وجزاكم الفردوس الأعلى ونسأله لنا جميعا حسن الخاتمة.


    رد


    11 أبريل 2014

    12:00 م

ضع تعليقك