إن في ديننا الحنيف كلمةٌ هي أطيب الكلام وأعظمه، وهي كلمة اﻹخلاص وكلمة التقوى، وهي العروة الوثقى، إنها كلمة التوحيد “لا إله إلا الله”.
من قالها صادقاً بها قلبه وعمل بمقتضاها مبتغياً بذلك وجه الله دخل الجنة. ففي صحيح البخاري ومسلم من حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله حرّم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله).
والتوحيد هو اﻷصل اﻷصيل الذي لا تصح اﻷصول إلا به، فضلا عن الفروع. وهو الغاية العظمى من خلق الثقلين. قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].
وهي “كلمة قامت بها اﻷرض والسماوات، وخلقت ﻷجلها جميع المخلوقات.
وبها أرسل الله تعالى رسله، وأنزل كتبه، وشرع شرائعه.
وﻷجلها نصبت الموازين، وقام سوق الجنة والنار، وبها انقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار، واﻷبرار والفجار.
فهي منشأ الخلق والأمر، والثواب والعقاب. وهي الحق الذي خلقت له الخليقة، وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب، وعليها يقع الثواب والعقاب.
وعليها نصبت القبلة، وعليها أسست الملة، وﻷجلها جردت سيوف الجهاد، وهي حق الله على جميع العباد.
فهي كلمة اﻹسلام، ومفتاح دار السلام، وعنها يُسأل اﻷولون واﻵخرون، فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يُسأل عن مسألتين:
ماذا كنتم تعبدون؟!
وماذا أجبتم المرسلين؟!
فجواب اﻷولى بتحقيق “لا إله إلا الله” معرفة وإقرارا وعملا.
وجواب الثانية بتحقيق أن محمدا رسول الله معرفة وإقرارا وانقيادا وطاعة “. [زاد المعاد لابن القيم: (1 / 36)]
وعليه، يا عبدالله! إذا علمت أن الله تعالى خلقك لغاية عظيمة وهي عبادته وحده لا شريك له، فهل علمت ما هي العبادة؟ وهل علمت ما معنى كلمة لا إله إلا الله؟ حتى تكون ممن حقق الغاية التي من أجلها خُلِق، و ترجو من الله أن تكون كذلك.
فاعلم رحمك الله! أن العبادة هي: كل ما أمر الله به شرعا، و(كل ما يحبه الله ويرضاه من اﻷقوال واﻷعمال الظاهرة والباطنة)، كالصلاة والصيام والحج والدعاء والخوف والخشية والاستعانة والاستغاثة والذبح والنذر والتوكل، وغيرها من العبادات، كلها لله وحده لا شريك له، فإذا وحّد المسلم ربه فقد عمل بمقتضى كلمة التوحيد “لا إله إلا الله”.
ومما يجدر ذكره في هذا المقام أنه لا يكفي لتحقيق التوحيد أو الدخول في اﻹسلام مجرد النطق بكلمة التوحيد دون معرفة لمعناها، والعمل بمقتضاها.
فما معنى «لا إله إلا الله» ؟
اعلم يا رعاك الله! أنه من الواجب على كل مسلم أن يعلم معنى هذه الكلمة العظيمة كما سبق ذكره، فقد اشتملت هذه الكلمة الطيبة على ركنيين أساسيين لابد منهما، فلا يكون المسلم موحدا إلا بهما معا، وهما:
اﻷول: نفي العبادة عما سوى الله تعالى، وهذا يفهم من قول: “لا إله”.
الثاني: إثبات العبادة لله وحده، وهذا يفهم ويأخذ من قول: “إلا الله”.
ومما يدل عليه ما أخبر الله تعالى به عن إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف:26-27].
فهذه اﻵية ذكر أهل العلم أنها مطابقة لكلمة التوحيد، لما تضمنته من ركني التوحيد، وهما: النفي واﻹثبات. النفي في قوله {إنني براء مما تعبدون} وهو معنى (لا إله)، والإثبات في قوله {إلا الذي فطرني} وهو معنى (إلا الله).
إذن فلا إله إلا الله معناها الحق هو: لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى، أي لا يستحق العبادة أحد إلا الله.
ومن هنا يظهر خطأ من يفسر كلمة التوحيد بغير ذلك، كمن يفسرها بأنه لا رب إلا الله، أو لا صانع إلا الله، ﻷن توحيد الربويية -كما هو معلوم- قد أقر به المشركون ولم ينفعهم ذلك؛ ﻷنهم لم يوحدوا الله في ألوهيته وعبادته.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال للمشركين قولوا: لا إله إلا الله، ودعاهم إلى عبادة الله وحده. قالوا له: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5]. وهذا دليل واضح على معنى كلمة التوحيد وأنها ليست خاصة بالربوبية دون الألوهية وتوحيد العبادة.
فهو سبحانه المستحق للعبادة وحده دون ما سواه. قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [لقمان:30].
فإذا علمت ذلك يا عبدالله! فعليك أن تخلص العبادة لله وحده، وأن تكون عبدا لله حقا وصدقا:
فتدعو الله وحده.
وتخاف منه تعالى وحده، خوف التذلل والعبادة.
وتتوكل عليه وحده.
ولا تستعين بأحد غيره فيما لا يقدر عليه إلا الله.
وكل أنواع العبادات تكون فيها خالصا موحدا لخالقك ورازقك، وخالق جميع الخلق ورازقهم، فهو الخالق الرزاق المالك المدبر، والمحي والمميت وهو على كل شئ قدير، فمن كانت هذه صفاته فحقه أن يعبد وحده، ولا يشرك به شيئا.
فإذا حلت بك أيها المسلم الحوادث والكروب، وأغلقت في وجهك المسالك والدروب، فناد الكريم فهو السامع لكل شكوى، والكاشف لكل بلوى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62]
ومن توكل على الله كفاه: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3] أي: كافيه.
وأما الميت والغائب فإنه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، فضلا عن نفع غيره، بل نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وهو أفضل الخلق وأشرفهم قال الله له: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:188] . فإذا كان هذا في حق نبينا صلى الله عليه وسلم وهو من هو! فما دونه من الخلق من باب أولى.
فإذا تبين ذلك فاعلم رحمك الله! أن لله تعالى خصائص وصفات لا يشاركه فيها أحد غيره، ومن الظلم العظيم أن تُعطى خصائص الرب جل وعلا أو شيئ منها أحدا من خلقه فذلك ظلم عظيم، وهو الشرك بالله؛ لذلك قال الله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13].
والشرك ينافي الغاية من خلق الخلق، وهو مناقض لمقتضى ” لا إله إلا الله”، ومناقض كذلك للفطرة التي فطر الله عباده عليها وهي توحيده وعدم الشرك به. فنعوذ بالله من الشرك ما ظهر منه وما بطن.
حفيدة عائشه
جزاكم الله خيرا ونفع بعلمكم.
وبوركت لاختيارك التوحيد اللبنة الاساسية للاعمال ان سلم الاساس صلحت الاعمال وان اختل الاساس اختلت الاعمال وبطلت.
نسأل الله الاخلاص والسلامة من الشرك.
↓
2 أبريل 2014
6:27 ص