(وقفة تأمل ..!)
لمَا قَدم أهْل اليَمنِ زمَان أبِي بَكرٍ الصدّيق – رَضي اللهُ عَنه – وَسمِعوا القُرآن جَعلُوا يَبكوْن ، فَقالَ أبُو بَكر : ” هكَذا كنّا ثُم قسَتْ القُلوْب ” !! يقول هذا أبوبكر أفضل رجل بعد الأنبياء والمرسلين .
مَع أنّه ـ رَضِي اللهُ تعَالى عنهُ ـ كَان رَجلًا أسِيفًا رقِيقَ القَلبِ إذَا صَلَّى بِالنَّاس وَقرَأ كَلام الله تعَالَى – لَا يَتمَالكْ نفْسه مِن البُكاء ، فماذا نقول نحن .
بَخلَتْ عُيونُك بِالبُكا فَلتسْتعِر . . .
عيْنـًـــا لغَيرِك دَمعُها مِدرَار
مَن ذَا يُعيْرك عَينهُ تبْكي بِها . . . أرأيتَ عينًا للدمُوع تُعـــــار.
صحابة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – كانت الآية الواحدة َتُحدِثُ فِي النفُوس الأثَرَ العَظِيم ..
الصحَابة رِضوانُ اللهِ علَيْهم قَرؤوا القُرآن بِحرصٍ وَوَعوهُ وَطَبّقًوه ، واليَوم يَحرصُ بَعض شَبابِنا علَى مُتَابعةِ أخبَار أهْل الغِنَاء واللهْو .
وَمن هُنَا صَار الصحَابة قَادَةً وَأصبَح هَؤلاءِ عَالَة…
بَنَى الصحَابةُ حضَارة , وَشبابنَا لا عمَل لَهُم سِوَى تدْمِير الطاقَات فِي اللهْو وَقت الفَراغ , ومَا أكثَر فَراغِهم .
وبَعد هَذا نَتساءَل :
لمَاذا غيّر القُرآن مِن حيَاة الصحَابة ، وَلمْ يُغيّر مِن حَياتِنا ؟!
الصحَابةُ – رِضْوان اللهِ عليْهِم – جَعلُوا يَستمِيتُون فِي فَهمِ كَلامِ ربّهم الّذي أحبّوه بِصدقٍ وتَفانوْا فِي سَبيلِ التقرّبِ إلَى خَالقِهم وَرازِقهِم .
ونحن َلمّا جعلنَا الدّنْيَا أكبَر هَمّنا وَمبْلغَ عِلمنَا صَرفَ اللهُ عنّا فَهم كتَابهِ .
اجْتثاثُ المُشكلةِ مِن جُذورِها يَنطلِق مِن إصْلاحِ مَكمَن الدّاء .. وَملِك الأعْضَاء إنه القَلْب ..
فَانصِرافُ القَلبِ عَن أبْوابِ الخَيرِ مِن أشَدّ الخُطوبِ الَتِي لابُد أن يَتدارَكهَا المَرؤ خَاصة إذَا مَا ابتعَد عَن القُرآن وَلمْ يَعُد يَتأثر بِه أوْ يَستَكِين !
لأنّ فِي الجَسدِ مُضغَة إذَا صَلُحتْ صلُح سَائرُ الجَسدِ وَإذَا فَسدتْ فَسدَ سَائرُ الجَسدِ
لذَلكَ وجَب عَليْك تَطهِيره وَتنقِيتُه مِن الشوَائبِ وتَهيئتهُ لِتقبّل هَذا الحَق ..
قَالَ عُثمَان – رَضي اللهُ عنه – : لَوْ سَلِمتْ قُلوبكُم مَا شبِعتْ مِن كَلامِ ربّكُم ..!!
كيف لقَلبٍ مُنشرحٍ بِذكْر ربّه مَسرُورٍ بمُناجَاتِه مُحسِن بِعبَادتِه
ألا يَفيض بِروحَانيَته عَلى أفْعالِه وَأخْلاقَه وَتصرفَاتِه ؟!
لوْ تأملت المتعلّق بِالنادي الفُلاني فِي أي رِيَاضَة كَانْ بِإمكَانِك تَصوّر ذَوقِيّته فِي المَلبس وَاختيَارِه للألوَان مِن حَولِه وِفقَ مَا يُحبه إذْ ترَاه يلبَس مَلابسهُم وَيعلّق صوَرهُم وَلا تَكاد ترى بُقعَة يَطؤهَا إلا وَتجد فيِها شيئًا يدلّ علَى تعلُقه بِهم إمّا صورًا أوْ مجَلّة أوْ شعَارَات فَالظّاهر وَالبَاطِن أمْران مُتلازِمان لا يَنفك أحَدُهمَا عَن الآخِر رَغْمًا عَن إرَادة المَرءِ ، وَالقلبِ المُتعلّق بِاللهِ صدْقًا, تَرى وَجْهه يَفيض بِشْرًا ، وتَراهُ ينظر فِي سَاعتِه يَتحرّى أوْقاتَ الصَلوات ؛ لعلمه بعظم أجْرهَا ..
اللهم أصلح قلوبنا واجعلنا هداة مهتدين .