( المروءة )
قال ابن القيم رحمه الله: هي اتصاف النفس بصفات الإنسان التي فارق بها الحيوان البهيم ، والشيطان الرجيم .
والنفس لها ثلاثة دواع متجاذبة :
– داعٍ يدعوها إلى الاتصاف بأخلاق الشيطان من الكِبْر والحسد والشر والعلو والبغي والأذى والفساد والغش .
– وداعٍ يدعوها إلى أخلاق الحيوان ، وهو داعي الشهوة .
– وداعٍ يدعوها إلى أخلاق الإحسان ، والنصح ، والبر والطاعة .
قال معاوية: المروءة ترك الشهوات وعصيان الهوى .
قال ربيعة بن عبد الرحمن: للسفر مروءة ، وللحضر مروءة . فالمروءة في الحضر : إدمان الاختلاف إلى المساجد ، وتلاوة القرآن ، وكثرة الإخوان في الله عزوجل .
والمروءة في السفر : بذل الزاد ، وقلة الخلاف على الأصحاب ، وكثرة المزاح في غير مساخط الله .
قال الشاعر :
وإذا الفتى جمع المروءة والتقى … وحوى مع الأدب الحياء فقد كمل
قيل لعبدالملك بن مروان : ما المروءة ؟ فقال : موالاة الأكفاء ، ومداجاة الأعداء .. ومداجاة الأعداء ؛ أي لا تظهر لهم ما عندك من العداوة .
تقول أم سلمة : بعد أن أذن لها قومها بالهجرة وردوا عليها ولدها : فارتحلتُ بعيري ، ثم أخذتُ ابني فوضعته في حجري ، ثم خرجتُ أريد زوجي في المدينة ، وما معي أحد من خلق الله ، فقلت : أتبلّغ بمن لقيتُ حتى أقدُمَ على زوجي ؛ حتى إذا كنت بالتنعيم لقيتُ عثمان بن طلحة بن أبي طلحة . فقال لي : إلى أين يا بنت أبي أمية ؟ فقلت : أريد زوجي بالمدينة . قال : أوَما معكِ أحد؟ فقلت : لا والله ، إلا الله ، وابني هذا . قال : والله لا أترككِ حتى أوصلكِ إلى زوجكِ ، فكرامتي لا تسمح لي بذلك . فأخذ بخِطام البعير ، فانطلق معي يهوي بي ، فوالله ما صحبتُ رجلاً من العرب قط أرى أنه أكرمَ منه ، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ، ثم استأخر عني ، حتى إذا نزلت استأخر ببعيري ، فَحَطَّ عنه ، ثم قيده في الشجرة ، ثم تنحّى عني إلى شجرة ، فاضطجع تحتها ، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله ، ثم استأخر عني ، وقال : اركبي . فاذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه ، فقاده ، حتى ينزل بي . فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة ، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء ، قال : زوجكِ في هذه القرية ، وكان أبو سلمة بها نازلا ، فادخُليها على بركةِ الله ، ثم انصرف راجعاً إلى مكة.
فكانت تقول : والله ما أعلم أهل بيتٍ في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة ، وما رأيتُ رجلاً قط كان أكرم من عثمان بن طلحة .
فـ (عثمان) هذا ، صاحب الكرامة ، والشهامة ، والمروءة ، التي يفتقدها كثيرٌ من الناس اليوم .
فيا أخي الكريم لتكن عندك مروءة ، تحثك على مكارم الأخلاق ، وتمنعك من سيئها .