سلسلة (نور السالكين في أحكام وآداب الصائمين)
(15) أحكام زكاة الفطر
زكاة الفطر، ويقال لها: صدقة الفطر. وفيها مسائل:
وسميت بذلك: لأنها تجب بالفطر من رمضان، ولا تعلق لها بالمال، وإنما هي متعلقة بالذمة، فهي زكاة عن النفس والبدن.
المسألة الأولى: في حُكمها ودليل ذلك:
زكاة الفطر واجبة على كل مسلم؛ لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – صدقة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين». (رواه البخاري ومسلم)
المسألة الثانية: شروطها وعلى من تجب:
تجب زكاة الفطر على كل مسلم كبير وصغير، وذكر وأنثى، وحر وعبد؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق.
ويستحب إخراجها عن الجنين إذا نفخت فيه الروح، وهو ما صار له أربعة أشهر؛ فقد كان السلف يخرجونها عنه، كما ثبت عن عثمان وغيره.(1)
ويجب أن يُخرجها عن نفسه، وعمن تلزمه نفقته، من زوجة أو قريب، وكذا العبد، فإن صدقة الفطر تجب على سيده؛ لقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس في العبد صدقة، إلا صدقة الفطر». (رواه مسلم)
ولا تجب إلا على مَنْ فضل عن قوته، وقوت من تلزمه نفقته وحوائجه الضرورية في يوم العيد وليلته ما يؤدي به الفطرة.
فزكاة الفطر لا تجب إلا بشرطين:
1. الإسلام، فلا تجب على الكافر.
2. وجود ما يفضل عن قوته، وقوت عياله، وحوائجه الأصلية في يوم العيد وليلته.
المسألة الثالثة: في حِكْمَة وجوبها:
من الحِكَم في وجوب زكاة الفطر ما يلي:
1. تطهير الصائم مما عسى أن يكون قد وقع فيه في صيامه، من اللغو والرفث.
2. إغناء الفقراء والمساكين عن السؤال في يوم العيد، وإدخال السرور عليهم؛ ليكون العيد يوم فرح وسرور لجميع فئات المجتمع، وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: «فرض رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين». (رواه البخاري ومسلم)
3. وفيها إظهار شكر نعمة الله على العبد بإتمام صيام شهر رمضان وقيامه، وفعل ما تيسَّر من الأعمال الصالحة في هذا الشهر المبارك.
المسألة الرابعة: مقدار الواجب، ومِمَّ يخرج؟
الواجب في زكاة الفطر صاع من غالب قوت أهل البلد من بر، أو شعير، أو تمر، أو زبيب، أو أَقط ، أو أرز، أو ذرة، أو غير ذلك؛ لثبوت ذلك عن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – في الأحاديث الصحيحة، كحديث ابن عمر رضي الله عنهما المتقدم.
– قال الشيخ ابن العثيمين رحمه الله في تحديد الصاع: (وقد حررته فبلغ كيلوين وأربعين جراما من البر الرزين). (2)
– ويجوز أن تعطي الجماعة زكاة فطرها لشخص واحد، وأن يعطي الواحد زكاته لجماعة.
– ولا يجزئ إخراج قيمة الطعام؛ لأن ذلك خلاف ما أمر به رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولأنه مخالف لعمل الصحابة، فقد كانوا يخرجونها صاعاً من طعام، ولأن زكاة الفطر عبادة مفروضة من جنس معين وهو الطعام، فلا يجزئ إخراجها من غير الجنس المعين.(3)
المسألة الخامسة: في وقت وجوبها وإخراجها:
تجب زكاة الفطر بغروب الشمس من ليلة العيد؛ لأنه الوقت الذي يكون به الفطر من رمضان. ولإخراجها وقتان: وقت فضيلة وأداء، ووقت جواز.
فأما وقت الفضيلة: فهو من طلوع فجر يوم العيد إلى قبيل أداء صلاة العيد، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة». (رواه البخاري ومسلم)
وأما وقت الجواز: فهو قبل العيد بيوم أو يومين؛ لفعل ابن عمر وغيره من الصحابة لذلك.
ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، فإن أخرها فهي صدقة من الصدقات، ويأثم على هذا التأخير؛ لقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات». (رواه أبو داود)
______________________
1. انظر كتاب الفقه الميسر لنخبة من العلماء (141) ، وكتاب بداية الفقيه للدكتور سالم العجمي(329).
2. الشرح الممتع (6/176)
3. انظر كتاب الفقه الميسر لنخبة من العلماء (142) وراجع تمام المنة لعادل العزازي (2/270)