سلسلة (نور السالكين في أحكام وآداب الصائمين)
(6) الأعذار المبيحة للفطر في رمضان
يباح الفطر في رمضان لأحد الأعذار التالية (1):
الأول: المرض والكِبَر، فيجوز للمريض الذي يُرجى برؤه (شفاؤه)، الفِطرُ، فإذا برئ وجب عليه قضاء الأيام التي أفطرها؛ لقوله تعالى: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 184].
– والمرض الذي يرخص معه في الفطر هو المرض الذي يَشُقُّ على المريض الصيام بسببه، ومن مَرِضَ مرضاً لا يؤثر فيه الصوم ولا يتأذى به، مثل الزكام أو الصداع اليسيرين، أو وجع الضرس، وما أشبه ذلك، فلا يَحِلُّ له أن يُفطر، ذهب إلى ذلك عامة أهل العلم، ومنهم المذاهب الفقهية الأربعة.(2)
– أما المريض الذي لا يُرجى برؤه (شفاؤه)، أو العاجز عن الصيام عجزاً مستمراً كالكبير: فإنه يُفطر، ولا يجب عليه القضاء، وإنما تلزمه فِدْية، بأن يُطْعِمَ عن كل يوم مسكيناً؛ لأن الله -عز وجل- جعل الإطعام مُعادِلاً للصيام حين كان التخيير بينهما في أول ما فرض الصيام، فتعيَّن أن يكون بدلاً عنه عند العذر.
– يقول الإمام البخاري -رحمه الله-: “وأما الشيخ الكبير إذا لم يُطِقِ الصيام، فقد أطعم أنس بعدما كَبر عاماً أو عامين عن كل يوم مسكيناً. وقال ابن عباس رضي الله عنهما في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما: فليطعما مكان كل يوم مسكيناً”. (3)
– فيطعم العاجز عن الصيام عجزاً لا يرجى زواله، بمرض كان أو كبر، عن كل يوم مسكيناً نصف صاع من بر، أو تمر، أو أرز، أو نحوها من قوت البلد، ومقدار الصاع كيلوان وربع تقريباً (2.25) فيكون الإطعام عن كل يوم: كيلو جرام ومائة وخمسة وعشرين جراماً (1125 جرام) تقريباً.
الثاني: السفر؛ فيباح للمسافر الفطر في رمضان، ويجب عليه القضاء؛ لقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 184]..
ولقوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لمن سأله عن الصيام في السفر: «إن شئت فصم، وان شئت فأفطر» (صحيح البخاري). وخرج إلى مكة صائماً في رمضان، فلما بلغ الكَدِيد أفطر، فأفطر الناس. (صحيح البخاري)
– ويُباح الفِطْر في السفر الطويل الذي يُباح فيه قصر الصلاة ، وهو ما يقدر بثمانية وأربعين ميلاً، أي: حوالي ثمانين كيلو متراً.
– وإن صام المسافر صَحَّ صومُه وأجزأه، لحديث أنس – رضي الله عنه -: (كنا نسافر مع النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم) (أخرجه البخاري). ولكن بشرط ألا يَشُقَّ عليه الصوم في السفر، فإن شَقَّ عليه، أو أضَرَّ به، فالفطر في حقه أفضل؛ أخذاً بالرخصة؛ لأن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – رأى في السفر رجلاً صائماً قد ظُلِّلَ عليه من شدة الحر، وتجمع الناس حوله، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليس من البرِّ الصيام في السفر» (صحيح البخاري)
الثالث: الحيض والنفاس، فالمرأة التي أتاها الحيض أو النفاس تفطر في رمضان وجوباً، ويحرم عليها الصوم، ولو صامت لم يصح منها؛ لحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: «أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم؟ فذلك من نقصان دينها» (رواه البخاري)
ويجب عليهما القضاء؛ لقول عائشة رضي الله عنها: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة. رواه مسلم
الرابع: الحمل والرضاع؛ فالمرأة إذا كانت حاملاً أو مُرضعاً، وخافت على نفسها أو ولدها بسبب الصوم جاز لها الفطر، لما رواه أنس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم، وعن الحبلى والمرضع الصوم» (رواه الترمذي وحسَّنه الألباني) ؛ وتقضي الحامل والمرضع مكان الأيام التي أفطرتاها، وذلك إن خافتا على نفسيهما، فإن خافت الحامل مع ذلك على جنينها، أو المرضع على رضيعها؛ أطعمت مع القضاء عن كل يوم مسكيناً؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: (والمُرضع والحبلى إذا خافتا على أولادهما أفطرتا، وأطعمتا) (أخرجه أبو داوود وصححه الألباني في الإرواء).
_______________________
1. نقل بتصريف من كتاب الفقه الميسر لنخبة من العلماء. (153-154)
2. انظر الموسوعة الفقهية. إعداد: مجموعة من الباحثين/ موقع الدرر السنية
3. صحيح البخاري برقم (4505)، كتاب الصيام