الأحد 6 ربيع الأولI 1447 - 28 سبتمبر 2025
جديد الموقع
بحث
التصنيفات
» المهر: مشروعيته، وأحكامه، وشروطه

.
.
المهر: مشروعيته، وأحكامه، وشروطه

تعريف المهر
قال الإمام النووي: الصداق: اسم لما تستحقه المرأة بعقد النكاح (1).
وعرفه غيره: بأنه اسم للمال أو ما يقوم مقامه، الذي يجب للمرأة في عقد النكاح في مقابل استحلال الاستمتاع بها.

مرادفات كلمة المهر:
قال الإمام الشافعي:
( أمر الله الأزواج بأن يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن، والأجر هو الصداق والصداق هو الأجر والمهر، وهي كلمة عربية تسمى بعدة أسماء ) (2)
وقال النووي:
وفيه- أي الصداق- لغات: صَداق وصِداق بفتح الصاد وكسرها، وصَدقة بفتح الدال، وصدُقة بضمهما، وله ستة أسماء أُخر: المهر، والفريضة، والنِحلة، والأجر، والعليقة، والعُقر بضم العين(3).
فمنهم من عدها ثمانية وبعضهم عدها عشرة، وهي:
المهر، الصداق أو صدقة، الأجر، النحلة، فريضة، وحِبَاء، وعُقْر، وعلائق، وطَوْل، ونكاح.
وقد نظم بعضهم ثمانية منها في بيت فقال:
صداقٌ ومهرٌ نِحلةٌ وفريضةٌ   حِبَاءٌ وأجْرٌ ثم عُقْرُ عَلايقِ.(4)
وهذه الأسماء كلها مأخوذة من كتاب الله تعالى ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كلام العرب. وهي تؤدي نفس المعنى المذكور في تعريف المهر.

شبهة التفريق بين المهر والصداق والرد عليها
ولم أقف على أحد من أهل العلم فرق بينها في المعنى، كما يقول بعض المنتسبين لمذهب الإمام الشافعي من المأذونين، حيث قال أحدهم عند مناصحته:
( إن المهر هو ما ذكرناه أثناء العقد، والصداق هو المتفق عليه بين الخاطب وأولياء المخطوبة!! ولهذا نقول: قل قبلت زواجها ونكاحها بهذا المهر المذكور والصداق المعلوم)
ولكن يَرُدُّ هذا التأويل البعيد أنه يقول للولي: (قل يا فلان ابن فلان زوجتك وأنكحتك ابنتي وموليتي فلانة بمهر وقدره عشرة ريالات نقد البلد ) ثم يقول للخاطب: (قل قبلت زواجها ونكاحها بهذا المهر المذكور والصداق المعلوم على ما أمر الله به من إمساك  بمعروف. . . . )
فإن المأذون فرض مهرا جديدا وأمر الولي أن يتابعه عليه ولم يذكر أو يُشِر إلى أي مهر آخر، فلم يقل ( زوجتك وأنكحتك ابنتي فلانة بمهر وقدره عشرة ريالات وبالمهر المعلوم بيننا) إنما اكتفى الولي بذكر المهر الجديد فقط وسماه عشرة ريالات، ومن المعلوم أن المهر يفرض من جهة المخطوبة أو من يليها، والخاطب له الإقرار والقبول أو الرفض، فيتحتم أن يكون المفروض من المهر في هذه الصيغة المذكورة هو الصداق المعلوم الذي أقر به الخاطب عند جمع الشهود والأولياء لا غيره.
وهذا كما لا يخفى يسبب إشكالاً كبيراً بين الزوجين في حالة الخلاف، كما سيأتي تفصيله.
كما أن التفريق بين المهر والصداق لم يقل به أحد كما سبق.
فيظهر أن هذا ادعاء لم يقله أو يعمل به أحد من أهل العلم، وسيأتي مزيد كلام في هذا الشأن.
مشروعية المهر بالكتاب والسنة

من القرآن الكريم:
قال الله عزوجل: {وآتوا النساء صدقاتهن نحل}[النساء4]
وقال عزوجل: {فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف}[النساء25]
وقال: {أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة}[النساء24]
وقال: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن}[النساء19]
و قال عز ذكره (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم وإحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا}[النساء20]
وقال: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}[النساء34] وقال: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله}[النور 33]

ومن السنة المطهرة:
قال الشافعي أخبرنا مالك عن أبى حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه:
” أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إنى قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل، فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل عندك من شئ تصدقها إياه؟ فقال ما عندي إلا إزاري هذا قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس لها شيئا فقال ما أجد شيئا، فقال: إلتمس ولو خاتما من حديد، فالتمس فلم يجد شيئا فقال ما أجد شيئا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل معك من القرآن شيء؟ قال نعم سورة كذا وسورة كذا لسور سماها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوجتكها بما معك من القرآن”(5)

* حكم المهر:
فحكم المهر أنه واجب على الرجل دون المرأة، فيجب على الرجل أن يدفع المهر للمرأة سواء كان مقدما أو مؤخرا أو مقدما ومؤخرا، لأمر الله تعالى به وتسميته فريضة ونحلة، وللنهي عن أخذه كله أو بعضه، ولكنه ليس بركن ولا شرط في عقد الزواج باتفاق العلماء لدلالة الأدلة على ذلك.
– الأدلة الدالة على عدم ركنية المهر ولا اشتراطه لصحة عقد النكاح:
قوله تعالى: {لاجناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} [البقرة: 236/2] فإنه أباح الطلاق قبل الدخول وقبل فرض المهر، مما يدل على أن المهر ليس ركناً ولا شرطاً.
وثبت في السنة عن علقمة(6) ( قال: ( أُتي عبد الله ـ أي ابن مسعود ـ في امرأة تزوجها رجل، ثم مات عنها، ولم يفرض لها صداقاً ولم يكن دخل بها، قال: فاختلفوا إليه، فقال: أرى لها مثل مهر نسائها، ولها الميراث، وعليها العِدّة، فشهد مَعْقِل بن سنان الأشجعي أن النبي صلّى الله عليه وسلم قضى في بَرْدَع بنت واشق بمثل ما قضى) (7).
وهذا يدل أيضا على أن الزواج تم دون تسمية المهر، وقد صح العقد ولم يقل أحد بأن العقد باطل أو فاسد.
والأدلة على ذلك كثيرة لا تتسع هذه الرسالة المختصرة لذكرها.

بماذا يجب المهر
– ويجب المهر بأمرين:
الأول: بمجرد العقد الصحيح، وقد يسقط كله أو نصفه ما لم يتأكد بالدخول أو بالموت، أو بالخلوة عند الحنفية والحنابلة.
والثاني: بالدخول الحقيقي بالمرأة.
وهو الوطء، ولو كان وطء شبهة، كمن زفت له عروس غير عروسه وقالت له النساء هذه زوجتك، فوطئها بناء على قولهن.
أو الزواج الفاسد ( كمن أنكحت نفسها بلا ولي ) وعندئذ لا يسقط المهر إلا بأدائه للمرأة، أو بالإبراء من قبل أصحاب الحق(8).
فنعلم من هذا أن المهر ليس بركن ولا شرط في عقد النكاح، فلو تم العقد بدون تسمية مهر صح العقد ووجب المهر في ذمة الزوج كله أو بعضه متى تحقق أحد الأمرين على التفصيل المذكور، وللزوجة أن تطالبه به وتقاضيه عليه.

الأمور التي يجوز أن تكون مهرا
قال الشافعي رحمه الله:
وكل ما جاز أن يكون مبيعا أو مستأجرا بثمن جاز أن يكون صداقا وما لم يجز فيهما لم يجز في الصداق فلا يجوز الصداق إلا معلوما ومن عين يحل بيعها نقدا أو إلى أجل وسواء قل ذلك أو كثر فيجوز أن ينكح الرجل المرأة على الدرهم وعلى أقل من الدرهم وعلى الشيء يراه بأقل من قيمة الدرهم وأقل ما له ثمن إذا رضيت المرأة المنكوحة وكانت ممن يجوز أمرها في مالها، ويجوز أن تنكحه على أن يخيط لها ثوبا أو يبنى لها دارا أو يخدمها شهرا أو يعمل لها عملا ما كان أو يعلمها قرآنا مسمى أو يعلم لها عبدا وما أشبه هذا. . انتهى(9)
ـ فيتبين بـهذا، أن كل ما جاز أن يكون مبيعا أو مستأجرا بثمن وكل ماله قيمة كالأوراق النقدية والذهب والفضة والنحاس والحديد والبضائع كالأقمشة والمتاع جاز أن يكون مهرا شريطة أن يكون الأصل حلالا.
وكذلك حفظ القرآن أو تعليم القرآن ـ شريطة أن يكون مسمى ـ أو تعليم علمٍ نافعٍ، جاز أن يكون مهرا كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ذلك الرجل.
والحمد الله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا.

**الهوامش:
(1)تهذيب الأسماء للنووي، (1 /174).
(2)كتاب الأم كتاب النكاح باب الصداق (5 /64).
(3)تهذيب الأسماء للنووي، (1 /174).
(4)انظر كتاب الفقه الإسلامي وأدلته لـ د. وهبة الزحيلي. باب الصداق(7 /247).
(5)كتاب الأم للإمام الشافعي (5 /64) وأخرجه البخاري في صحيحه، فتح الباري(5087/11) ومسلم في صحيحه برقم(3553) والترمذي برقم (1114) كلهم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
(6)هو علقمة بن قيس بن عبدالله النخعي، فقيه الكوفة وعالمها ومقرئها صاحب عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وعمُ الإمام الأسود بن يزيد النخعي وخال فقيه العراق إبراهيم النخعي، توفي سنة 62هـ.
(7)رواه الترمذي بهذا اللفظ عن علقمة في جامعه برقم (1145)، ورواه أبو داود في سننه عن مسروق برقم (2116).
(8)انظر كتاب الفقه الإسلامي وأدلته. لـ د/ وهبة الزحيلي (7 /248 ).
(9)كتاب الأم للإمام الشافعي (5 /64).



تعليق واحد

  1. حميراء

    بوركتم وبورك جهودكم … مقالة تضج بالإبداع مع بساطة الموضوع إلا أن فيه من الخير الكثير … ارتشف عبق الإبداع وأنتم أهلها .. كلل الله بالنور أيامكم .. نتمنى لكم وللقائمين على الموقع درباً إبداعياً مورف بالنجاح والتميز …


    رد


    1 أغسطس 2014

    10:44 م

إكتب تعليقاً لـ حميراء