الأحد 4 جمادى الأولى 1447 - 26 أكتوبر 2025
جديد الموقع
بحث
التصنيفات
» يا رب! إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا!

يقول الله سبحانه وتعالى مخبرا عن رسوله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30]، ينادي النبي صلى الله عليه وسلم ربّه، ويشتكي إليه إعراضَ قومه، وذلك أنهم كانوا لا يصغون للقرآن ولا يسمعونه.

ويا لله!! ما أشبهَ الليلةَ بالبارحة!

فهؤلاءِ بنو الإسلامِ! انظروا حال كثيرٍ منهم اليومَ مع كتابِ ربهم!

إن القلبَ ليحزن، وإن العينَ لتدمع من واقعٍ مريرٍ ابتُليت به أمةُ الإسلام، لقد وقعت فيما كان يشتكي منه نبيُّنا الكريم صلى الله عليه وسلم من هُجرانٍ للقرآنِ، وإعراضٍ عنه إلا من رحم الله، فكيف به صلوات ربي وسلامه عليه لو كان بين ظهرانينا ورأى حالَ أمتهِ مع كتابِ ربِّها؟!

إن المسلمينَ اليومَ تباينَ نوعُ هجرانِهم للقرآن الكريم وتعدد، فمنهم من هجره تلاوةً، ومنهم من هجره استماعاً، ومنهم من هجره عملاً، ومنهم من هجره تحاكماً، ومنهم من هجره استشفاءً وتداوياً!!

“أقبل الناسُ على سماعِ اللهوِ والغناءِ والمزمار، وهجروا قرآنَ العزيزِ الغفار!! القرآنُ الذي لو أنزله الله على الجبال الرواسي الشامخات لتصدعت من خشية الله إذا به يُقرأ، وآيات الوعد والوعيد تُسمع. ولكِنْ قلوبٌ قاسية، وأبدانٌ جامدة، وعيونٌ متحجرة، فلا قلبٌ يخشع، ولا بدنٌ يخضع، ولا عينٌ تدمع!! القرآنُ الذي هو منهاجُ حياةٍ متكاملٌ يصير في واقع الناس آياتٍ تُقرأ عند القبور، ويُهدى ثوابها للأموات، أو تُصنع منه التمائم والأحجبة وتُعلق على صدور الغلمان والصبيان، أو يُوضع في البيوت والمحلات والسيارات للحفظ والبركة!!”(1) وغير ُذلك مما استحدثه الناس، وما أنزل الله بذلك من سلطان!!

أخي القارئ! لا تعجب من كثرة علامات التعجب، فهذا حال خير أمة أخرجت للناس، الأمة التي أعزها الله بالإسلام وبالقرآن! هكذا هو حالها اليوم! أفلا يدعو ذلك للعجب؟ بلى، بل للحزن والأسى أيضا.

أخي الحبيب! هل تعرف عاقبة من هجر القرآن وأعرض عنه في الدنيا والآخرة؟

إنها عاقبةٌ وخيمةٌ -أعاذني الله وإياك منها- فتعال معي لنقرأَ بعضَ آياتٍ من كتابِ الله لتستبين لك هذه العاقبة فتحذرها:

قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف: 57]

تأمل هذه الآية وما حوت من عواقبَ لمن أعرض عن آيات ربه، فإنه من أعظم الناس ظلما، ويجعلُ الله على قلبه الكِنانُ -وهو الغطاءُ- حتى لا يفقه الحق، وعلى الآذان الوقر -الصمم المعنوي عن الرشاد-، وصاحب الهجر أخبر الله عنه أنه لا يهتدي أبدا إلى الحق بسبب إعراضه.

وإليك أخي القارئ آية أخرى لتعي خطورة الأمر، قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة: 22] ، ففي هذه الآية يصف الله المعرضين عن القرآن بالإجرام ويتوعدهم بالانتقام.

ويقول الله تعالى أيضا: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].

فلا يطيب له عيش في الدنيا، ولا حجة له يوم القيامة.

والآيات في هذا الباب كثيرة، ولا يعترض معترض فيقول: إن هذه الآيات وماجاء في معناها إنما نزلت في الكفار! فإنه مما تقرر عند علماء التفسير أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، واللفظ عام في الإعراض عن القرآن الكريم، ولكل معرض نصيبه من العقوبة التي توعد الله بها المعرضين عن كتابه.

وبعد ما سبق من بيان وضع الأمة وحالها اليوم مع القرآن، وما مر من ذكر بعض أنواع الهجر للقرآن الكريم، كهجر تلاوته، ولما كان هجر التلاوة قد يتضمن بقية أنواع الهجر، فما هي الأسباب المؤدية إلى هجر التلاوة؟

وهنا يمكننا أن نعدد من تلك الأسباب:

– الجهل بفضل تلاوة القرآن الكريم، والثواب المترتب عليه، فهو من أكبر الدواعي لهجر تلاوة القرآن وعدم المداومة على تلاوته.

– كثرة الإنشغال بالدنيا، والبعد عن الله، والوقوع في المعاصي، فهي من الأسباب التي أدت بالكثيرين إلى هجر تلاوة القرآن الكريم.

– الفتور وضعف الهمة، وهذا هو الداء العضال الذي أصيبت به الأمة -إلا من رحم الله-، فلا يكاد المرء يمسك المصحف يوما حتى يتركه أياما.

– تقديم طلب العلوم الأخرى على القرآن، وهذا للأسف حتى فيمن يطلب العلم الشرعي، فتجد بعض طلبة العلم لا يسلك منهج السلف في تقديم كلام رب البشر على غيره من العلوم، وهذا من التخبط في منهجية طلب العلم.

– الغزو الفكري والحرب المعلنة ضد القرآن، فتجد أعداء الإسلام يتخذون ما يستطيعون من سبل لإبعاد المسلمين عن كتابهم الذي منه يستمدون منهجهم، وأسلوب حياتهم، ومن تلك السبل في الإضلال:

1- الازدراء بحفظة القرآن الكريم، والعلماء، والدعاة، وتصويرهم بصور قبيحة حتى يحال بينهم وبين مجتمعاتهم.

2- السخرية من اللغة العربية -لغة القرآن الكريم- ومهاجمتها من حين لآخر، ورفع شأن اللغات الأخرى؛ مما أدى إلى إهمال تدريسها في المراحل التعليمية المختلفة حتى نشأ جيل من أبناء المسلمين يجهل القراءة من المصحف، ولا يكاد أحدهم يقرأ سطرا قراءة صحيحة! ولا حول ولا قوة إلا بالله!

3- إغراق المجتمعات المسلمة بالحشد الهائل من الصحف والمجلات، التي تبعد عن الله، وتقرب من الشيطان، وتنشر الفاحشة والرذيلة، وأصدق وصف لها أنها (حمّالة للكذب، قتّالة للوقت).

4- تدمير عقيدة المسلمين وأخلاقهم وذلك من خلال البث المباشر، والقنوات الفضائية، فضلا عن البرامج الهدّامة التي تعرض على شاشات التلفاز.

5- صرف الناس عن القرآن والصلاة ومجالس العلم عن طريق الرياضة، وبخاصة كرة القدم التي تحولت عند بعضهم إلى عبادة! وليس أدل على ذلك من الولاء والبراء لهذه الأندية، فضلا عن متابعة المباريات والحرص عليها -حتى ولو كانت في وقت السحر- مع تضييع الصلاة. (2)

فهذه جملة من الأسباب التي تؤدي إلى هجر تلاوة القرآن، ومر بك أخي القارئ، أن هجر التلاوة هو أحد أنواع الهجر وهناك أنواع أخرى من الهجر لعل الله ييسر لنا في مقال لاحق الحديث عنها وذكر أسبابها، والله الموفِّق.

 

الهوامش:

(1) فتح الرحمن في بيان هجر القرآن، أبو أنس محمد بن فتحي آل عبدالعزيز، أبو عبدالرحمن محمود بن محمد الملّاح، ص: 11، بتصرف يسير.

(2)المصدر السابق، ص:50.

 

 



تعليق واحد

  1. نوار ظفار

    احسن الله إليكم وجزاكم الفردوس الأعلى … مقال طيب


    رد


    11 أبريل 2014

    9:05 ص

ضع تعليقك