سلسلة (الإفادة من تراجم الصحابة)
الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه
خالد بن الوليد :
سيف الله وسيف رسوله وسيف الإسلام أبو سليمان خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم .
قال فيه الذهبي في سير أعلام النبلاء : “سَيْفُ اللهِ -تَعَالَى- وَفَارِسُ الإِسْلاَمِ، وَلَيْثُ المَشَاهِدِ، السَّيِّدُ الإِمَامُ، الأَمِيْرُ الكَبِيْرُ، قَائِدُ المُجَاهِدِيْنَ، أَبُو سُلَيْمَانَ القُرَشِيُّ، المَخْزُوْمِيُّ، المَكِّيُّ، وَابْنُ أُخْتِ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ مَيْمُوْنَةَ بِنْتِ الحَارِثِ”.
أمه : لبابة الكبرى وقيل الصغرى العصماء بنت الحارث الهلالية فهو حسيب النسب والشرف أبا وأما ، فخالاته أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية وأم المؤمنين زينب بنت خزيمة الهلالية ولبابة الكبرى أم عبدالله بن العباس وأسماء بنت عميس أم عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ومحمد بن أبي بكر الصديق .
هو فارس قريش والمسلمين، من مشاهير الصحابة في الجاهلية والإسلام، لم تنكسر له راية في كل حروبه، ميمون النقيبة، عالي الهمة، فطن في كل معاركه.
غاب عن بدر ، وكان سببا في نصر المشركين يوم أحد بدهائه وحنكته العسكرية، وكان من القلائل الذين حاولوا عبور الخندق يوم الأحزاب، ثم كان قائد طليعة جيش المشركين يوم الحديبية، وخرج من مكة هاربا يوم دخلها النبي صلى الله عليه وسلم معتمرا في عمرة القضية.
ثم هداه الله بعد ذلك وقذف في قلبه الإسلام فخرج مهاجرا في صفر سنة ثمان للهجرة وفي الطريق لقي عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة مهاجرين فأسلموا. ففي حديث إسلام عمرو بن العاص الطويل : “ثمَّ خرَجْتُ عامدًا لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فلقيتُ خالدَ بنَ الوليدِ وكان قُبَيلَ الفتحِ وهو مُقبِلٌ مِن مكَّةَ فقلْتُ يا أبا سُلَيمانَ قال واللهِ لقد استقام المِيسَمُ وإنَّ الرجلَ نبيٌّ اذهَبْ فأسلِمْ فحتَّى متى. قال قلْتُ واللهِ ما جِئْتُ إلَّا لأُسْلِمَ. قال فقدِمْنا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فتقدَّم خالدُ بنُ الوليد، فأسلَم وبايَع ثمَّ دنَوْتُ فقلْتُ يا رسولَ اللهِ إنِّي أبايعُك على أن يُغفَرَ لي ما تقدَّم مِن ذنبي ولا أذكُرُ ما تأخَّر فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يا عمرُو بايِعْ فإنَّ الإسلامَ يجُبُّ ما قَبلَه وإنَّ الهجرةَ تجُبُّ ما كان قَبلَها قال فبايَعْتُه ثمَّ انصرَفْتُ قال ابنُ إسحاقَ وقد حدَّثَني مَن لا أتَّهِمُ أنَّ عثمانَ بنَ طلحةَ كان معهما أسلَم حينَ أسلَما .
وعَنْ عَمْرِو بنِ العَاصِ، قَالَ: مَا عَدَلَ بِي رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِخَالِدٍ أَحَداً فِي حَرْبِهِ مُنْذُ أَسْلَمْنَا . ( الطبراني ورجاله ثقات ) .
فكان أول مشاهده معركة مؤتة وغزوة خيبر ففتح مكة وسرية بني جذيمة وسرية نخلة لهدم العزى، وحنين والطائف وتبوك . ثم كان فارس حروب الردة ، وفاتح العراق ، ومنكس راية الروم في الشام ، ومجاهدا طالبا للشهادة إلى أن توفاه الله عز وجل على فراشه رضي الله عنه.
سبب تسميته بسيف الله المسلول :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : نَزَلْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مَنْزِلًا فَجعلَ الناسُ يَمُرُّونَ فيقولُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : (( مَنْ هذا يا أبا هريرةَ؟ )) فَأَقُولُ : فلانٌ فيقولُ : (( نِعْمَ عبدُ اللهِ هذا )) فيقولُ : (( مَنْ هذا ؟ )) فَأَقُولُ : فلانٌ فيقولُ : (( بئسَ عبدُ اللهِ هذا )) حتى مَرَّ خالدُ بْنُ الوليدِ فقال : (( مَنْ هذا ؟ )) قُلْتُ : هذا خالدُ بْنُ الوليدِ فقال : (( نِعْمَ عبدُ اللهِ خالدُ بْنُ الوليدِ سَيْفٌ من سُيُوفِ اللهِ )) الترمذي وقال حسن غريب وصححه الألباني .
بعث مؤتة :
قد اختلف في أول مشاهده مع المسلمين فقيل أنه شهد خيبر، وخيبر كانت في أول السنة السابعة للهجرة والثابت أنه أسلم في السنة الثامنة ، وهو الراجح فتكون مؤتة أول مشاهده .
مؤتة هزيمة أم نصر؟
ونحن كل ما قرأنا عن معركة مؤتة يتبادر إلى اذهاننا هزيمة المسلمين في المعركة وأنهم فروا حتى وصلوا للمدينة منهزمين ويجدون اطفال المسلمين يعيرونهم بالفرارين . ولكن هل الصحيح أن المسلمين انهزموا في مؤتة ؟
كل الروايات التي تذكر هزيمتهم غير صحيحة ، بل الصحيح هي الروايات التي تذكر انتصارهم ، منها ما رواه عبدالله بن جعفر بن أبي طالب حيث قال :
بعث رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم جيشًا استعمل عليهم زيدَ بنَ حارثةَ ، وإن قُتل زيدٌ أو استُشهد فأميرُكم جعفرٌ ، فإن قُتل أو استُشهد فأميرُكم عبدُ اللهِ ابنُ رواحةَ ، فلقَوُا العدوَّ فأخذ الرَّايةَ زيدٌ فقاتل حتَّى قُتل ، ثمَّ أخذ الرَّايةَ جعفرٌ فقاتل حتَّى قُتل ، ثمَّ أخذها عبدُ اللهِ بنُ رواحةَ فقاتل حتَّى قُتل ، ثمَّ أخذ الرَّايةَ خالدُ بنُ الوليدِ ففتح اللهُ عليه ، وأتَى خبرُهم النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم ، فخرج إلى النَّاسِ ، فحمِد اللهَ وأثنَى عليه وقال : إنَّ إخوانَكم لقُوا العدوَّ وإنَّ زيدًا أخذ الرَّايةَ فقاتل حتَّى قُتل أو استُشهد، ثمَّ أخذ الرَّايةَ بعده جعفرُ بنُ أبي طالبٍ فقاتل حتَّى قُتل أو استُشهد ، ثمَّ أخذ الرَّايةَ عبدُ اللهِ بنُ رواحةَ فقاتل حتَّى قُتل أو استُشهد ، ثمَّ أخذ الرَّايةَ سيفٌ من سيوفِ اللهِ خالدُ بنُ الوليدِ ففتح اللهُ عليه . ففي هذا الحديث إشارة واضحه إلى انتصار المسلمين في مؤتة بقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( ففتح الله عليه ))
وعن عوفِ بنِ مالكِ الأشجعيِّ قال خرجتُ مع من خرج مع زيدِ بنِ حارثةَ من المسلمين في غزوةِ مؤتةَ ورافقني مَدَدِيٌّ من اليمنِ ليس معَه غيرُ سيفِه فنحرَ رجلٌ من المسلمين جزورًا فسألَه المَدَدِيُّ طائفةً من جلدِه فأعطاه إياهُ فاتَّخذَه كهيئةِ الدرقِ ومضينا فلقينا جموعَ الرومِ وفيهم رجلٌ على فرسٍ لهُ أشقرٌ عليه سِرْجٌ مُذَهَّبٌ وسلاحٌ مُذَهَّبٌ فجعل الروميُّ يُغري بالمسلمين وقعد له المَدَدِيُّ خلف صخرةٍ فمرَّ بهِ الروميُّ فعرْقَبَ فرسَه فخرَّ وعلاهُ فقتلَه وحاز فرسَه وسلاحَه فلما فتح اللهُ للمسلمين بعث إليه خالدُ بنُ الوليدِ فأخذ منه السلبَ ( البداية والنهاية بسند صحيح وصحيح أبو داود )
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : خطب النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال : ( أخذَ الرايةَ زيدٌ فأُصيبَ ، ثم أخذها جعفرُ فأُصيبَ ، ثم أخذها عبدُ اللهِ بنُ رواحةَ فأُصيبَ ، ثم أخذها خالدُ بنُ الوليدِ عن غيرِ إمرةٍ ففُتِحَ لهُ ، وقال ما يَسُرُّنَا أنهم عندنا ) . قال أيوبٌ : أو قال : ( ما يَسُرُّهُمْ أنهم عندنا ) . وعيناهُ تذرفانِ .
عن قيس بن أبي حازم قال : سَمِعْتُ خالدَ بنَ الوليدِ يقولُ : لقد انقطَعَتْ في يدِي يومَ مُؤتَةَ تسعةُ أسيافٍ، فما بَقِيَ في يدِي إلا صفيحةٌ يَمانِيَّة .
في فتح مكة :
شهد بعد مؤتة فتح مكة وكان على خيل المسلمين وعلى رأس جيش دخل مكة من أحد أبوابها وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفتح لهدم العزى فعن أبو الطفيل رضي الله عنه قال : فتحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم مكةَ بَعَثَ خالدَ بنْ الوليدِ إلى نخلةٍ ، وكانتْ بها العُزَّى فأَتاها خالدُ بنُ الوليدِ وكانتْ على تلالِ السَّمَراتِ . فقطعَ السَّمَرَاتُ وهَدَمَ البيتَ الذي كان عليها . ثمَّ أتَى النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأخبرَه . فقالَ : (( ارجعْ فإنَّك لمْ تصنَعْ شيئًا )) . فرجعَ خالدٌ ، فلمَّا نظرتْ إليهِ السدَنَةُ وهمْ حُجَّابُها أَمْعَنُوا في الجبلِ وهمْ يقولونَ : يَا عُزَّى خَبِّلِيهِ ، يَا عُزَّى عَوِّرِيهِ ، وَإِلا فَمُوتِي بِرَغْمٍ ، قالَ : فأتاها خالدٌ ، فإذا امرأةٌ عُرْيَانَةٌ ناشرةٌ شعرَها تَحْثُو الترابَ على رَأْسِهَا ، فعمَمَها بالسيفِ حتى قتَلَها ثّمُ رجعَ إلى النبيِّ – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فأخبرَه قالَ : (( تلكَ العُزّى )). ( الصحيح المسند للوادعي ) .
في حنين ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم له :
وفي حنين كان خالد بن الوليد على الخيالة في مقدمة المسلمين ، فلما انهزم المسلمين في بداية المعركة انهزمت الخيل فحاول خالد أن يعطف بخيله فما استطاع من هول المعركة فجرح فبعد انتصار المسلمين عاده النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له . فعن عبدالرحمن بن أزهر الزهري رضي الله عنهما قال : جُرِح خالدُ بنُ الوليدِ رضي اللهُ عنه يومَ حُنَينٍ فمرَّ بي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا غلامٌ وهو يقولُ: (( مَن يدُلُّني على رحلِ خالدِ بنِ الوليدِ ؟ )) فخرَجتُ أسعى بين يدَي رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا أقولُ: مَن يدُلُّ على رحلِ خالدِ بنِ الوليدِ ؟ حتى أتاه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو مُستَنِدٌ إلى رحلٍ وقد أصابَتْه جراحةٌ فجلَس رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عندَه ودَعا له قال: ورأى فيه ونفَث عليه . ( رواته ثقات ) . ثم لم يزل مجاهدا مع النبي صلى الله عليه وسلم غي غزواته وسراياه وشهد معه حجة الوداع وبقى معه إلى أن توفى النبي صلى الله عليه وسلم .
في بيت خالته :
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : أنَّ خالدَ بنَ الوليدِ، الذي يقال له سيفُ اللهِ، أخبره : أنه دخل مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على ميمونةَ، وهي خالتُه وخالةُ ابنِ عباسٍ، فوجد عندها ضبًّا محنوذًا، قدمت به أختُها حُفيدةُ بنتُ الحارثِ من نجدٍ، فقدمت الضبَّ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وكان قلَّما يقدم يده لطعام حتى يحدث به ويسمَّى له، فأهوى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يده إلى الضبِّ، فقالت امرأةٌ من النسوةِ الحضورِ : أخبِرنَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ما قدمتُنَّ له، هو الضبُّ يا رسولَ اللهِ، فرفع رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يدَه عن الضبِّ، فقال خالدُ بنُ الوليدِ : أحرامٌ الضبُّ يا رسولَ اللهِ ؟ قال : (( لا، ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أُعافُه )) . قال خالدٌ : فاجتررْتُه فأكلتُه، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ينظرُ إليَّ . ( البخاري ) .
خالد وعمار بن ياسر :
عن خالدِ بنِ الوليدِ، قال : كان بيني وبينَ عمارِ بنِ ياسرٍ كلامٌ، فأغلظتُ لهُ في القولِ، فانطلق عمارٌ يشكوني إلى رسولِ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ -، فجاء خالدٌ وهو يشكوهُ إلى النبيِّ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ -، قال : فجعل يغلظُ لهُ ولا يزيدهُ إلا غلظةً، والنبيُّ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ – ساكتٌ لا يتكلمُ، فبكى عمارٌ وقال : يا رسولَ اللهِ ! ألا تراهُ ؟ ! فرفع النبيُّ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ – رأسهِ، وقال : (( منْ عادى عمارًا عاداهُ اللهُ، ومن أبغضَ عمارًا أبغضهُ اللهُ)) ، قال : خالدٌ : فخرجتُ ؛ فما كان شيءٌ أحبَّ إليَّ منْ رضى عمارٍ، فلقيتُهُ بما رضيَ فرضيَ .( تخرج مشكاة المصابيح للألباني وصححه ) .
خالد وعبدالرحمن بن عوف :
وعن عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنهما قال : شكى عبدُ الرَّحمنِ بنُ عوفٍ خالدَ بنَ الوليدِ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( يا خالدُ لِمَ تُؤذي رجُلًا مِن أهلِ بَدْرٍ ؟ لو أنفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذهَبًا لَمْ تُدرِكْ عمَلَه ) فقال : يا رسولَ اللهِ يقَعونَ فيَّ فأرُدُّ عليهم فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( لا تُؤذوا خالدًا فإنَّه سيفٌ مِن سيوفِ اللهِ صبَّه اللهُ على الكفَّارِ ) ( صححه ابن حبان ) .
في خلافة أبو بكر الصديق :
عن وحشي بن حرب رضي الله عنه قال : أنَّ أبا بَكْرٍ الصديق رضيَ اللَّهُ عنهُ عقدَ لخالِدِ بنِ الوَليدِ على قتالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وقالَ : (( إنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، يقولُ : نعَمَ عبدُ اللَّهِ وأَخو العَشيرةِ خالدُ بنُ الوليدِ ، وسيفٌ مِن سيوفِ اللَّهِ سلَّهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ على الكفَّارِ والمُنافِقينَ )) صححه احمد شاكر .
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه من أفرس الناس وأعلمهم بالرجال فكان يضع الرجل في المكان المناسب الذي يليق به فلما أرتدت العرب رماهم بأشجع فرسان الصحابة وكان أفضل قائد رماهم به خالد بن الوليد رضي الله عنه فقد أرسله رضي الله عنه لقتال المرتدين من بني أسد وغطفان ويقودهما المتنبي طليحة الأسدي وعيينة بن حصن الفزاري الغطفاني وانتصر عليهم خالد في موقعة بزاخة ثم توجه لبني تميم وكانت المتنبية سجاح قد فرت قبل أن يصل إليها وهربت إلى بلادها عند أخوالها بني تغلب ، فحارب رضي الله عنه المرتدين المانعين الزكاة من بني تميم ، فقضى على شوكتهم وأعاد قبائل طيئ وتميم وغطفان وأسد إلى حضيرة الإسلام وبقى أماهه شوكة مسيلمة الكذاب ومعه قبائل بني حنيفة وجم غفير من ربيعة ، وبعد نزال شديد في موقعة اليمامة التي استشهد فيها الكثير من كبار الصحابة حملة القرآن ، أنزل الله نصره على عباده المؤمنين فهزموا متنبي بني حنيفة مسيلمة وقتلوه شر قتله على يد وحشي رضي الله عنه واعادوا قبائل نجد للإسلام ، ثم انتظر خالد رضي الله عنه توجيهات خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لم تبطا عليه حيث جاء التوجيه بالتوجه لتحرير العراق من براثن الفرس ، فلم يتباطأ رضي الله عنه فتوجه بالجيش المنهك إلى العراق فكانت له هناك أساطير تكتب بماء الذهب فلم يتلقى أي هزيمة في العراق فكان خالد رضي الله عنه كابوس على صدور الفرس لم يتنفسوا منه إلا بعد أن جاءت الأوامر لخالد من المدينة النبوية بالتوجه لتعزيز صفوف المجاهدين في الشام بعد أن خرج هرقل عظيم الروم بنفسه لقتال المسلمين في مئات الألوف المقاتلين من الرهبان والصلبان والعرب المتصلبين ، فرماهم الصديق رضي الله عنه بخالد بن الوليد وقال كلمته المشهور : ( والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد) . فكانت معركة اليرموك المشهورة .
امتثاله لطاعة ولي الأمر في أصعب المواقف :
إن حب الرياسة والقيادة غريزة حببت للبشر، فنجد الكثير من الناس يسعى بكل ما يستطيع كي ينال منصبا راقيا ليشار إليه بالبنان. وتعتبر قيادة الجيوش من أرقى المناصب، فمن وصل إلى درجة القيادة يكون من الصعب عليه التخلي عنها ولو بلغ به الأمر حد العصيان ، لكن من تربى على يد سيد البشرية وجعل طاعة الله عز وجل أمام عينيه والآخرة همه فإن المناصب لاتهمه ولو كان الحكم والقيادة، وهذا ما تمثل في سيرة أعظم قادة على وجه الأرض فقد أورد الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة أنه : استَعْمَلَ عمرُ بنُ الخطابِ أبا عبيدةَ بنَ الجراحِ على الشامِ ، وعزلَ خالدَ بنَ الوليدِ ، قال : فقال خالدُ بنُ الوليدِ : بُعِثَ عليكم أمينُ هذهِ الأمةِ ، سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ :(( أمينُ هذهِ الأمةِ أبو عبيدةَ بنُ الجراحِ ))، فقال أبو عبيدةَ : سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ : ((خالدٌ سيفٌ من سيوفِ اللهِ عزَّ وجلَّ، نِعْمَ فتى العشيرةِ ))
عاش خالد رضي الله عنه مجاهدا في الشام من نصر إلى نصر حتى كاد أن يفتتن به بعض النفوس الضعيفة فكان على الطبيب المداوي الذي يخاف على أصحابه الفتنة أن يتدخل. إنه الفاروق الخليفة عمر رضي الله عنه، فقام بعزل خالد من القيادة واقتسم ماله مع بيت المال حتى شراك نعله اقتسمها وقال كلمته المشهور رضي الله عنه :
إني لم أعزل خالدًا عن سخطة ولا خيانة، ولكن الناس فتنوا به، فخفت أن يوكلوا إليه ويُبتلوا به . فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع، وألا يكونوا بعرض فتنة.
فأصبح خالد بذلك جنديا من جنود المسلمين يتوجه للقتال مع الجيش إلى أن توفاه الله عز وجل وهو على فراشه .
عمر يرشح خالد للإمارة :
عن عمر أنه قال : لو أدركت خالد بن الوليد ثم وليته ثم قدمت على ربي ، فقال : من استخلفت؟ قلت: قال عبدك ونبيك ((خالد سيف من سيوف الله سله الله على المشركين )) . ( حسن )
وفاته وحزن الصحابة عليه :
توفى رضي الله عنه عام 21 هـ وقد اختلف في أي المدن توفى ما بين حمص بالشام -وعليه الأكثر- وبين المدينة النبوية وهو الأرجح وقال قولته الخالدة :
( لقد شهدت مئة زحف أو زهاءها، وما في بدني موضع شبر، إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء ) .
عن شقيق قال : لمَّا حضَر خالدَ بنَ الوليدِ الوفاةُ قال لقد طلَبْتُ القتلَ فلم يُقَدَّرْ لي إلَّا أن أموتَ على فِراشي وما مِن عَمَلي أَرْجى مِن لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنا مُتَتَرِّسٌ بها ثُمَّ قال إذا أنا مِتُّ فانظُروا سلاحي وفَرَسي فاجعَلوه عُدَّةً في سبيلِ اللهِ. إسناده حسن
وعن يونس بن أبي إسحاق قال : دخَلوا على خالدِ بنِ الوليدِ يعودونه فقال بعضُهم إنَّه لَفي السِّباقِ قال نَعَمْ واللهَ أستعينُ على ذلك .
عن قيس بن أبي حازم قال خالدُ بنُ الوليدِ ما ليلةٌ تُهْدى إلى بيتي فيها عَروسٌ أنا لها مُحِبٌّ وأُبَشَّرُ فيها بغلامٍ بأحبَّ إليَّ مِن ليلةٍ شديدةِ الجَليدِ في سَرِيَّةٍ مِن المهاجرين أُصَبِّحُ بها العدوَّ.
عن يزيدَ بنِ الأصمِّ قال : لمَّا تُوفِّي خالدُ بنُ الوليدِ بكت عليه أمُّه فقال عمرُ : يا أمَّ خالدٍ خالدًا أو أجرَه تُرزئين عزمتُ عليك ألَّا تبيتي حتَّى تسودَّ يداك من الخِضابِ . ( الإصابة بسند صحيح ) .
وعن شقيق قال : لمَّا ماتَ خالدُ بنُ الوليدِ اجتَمَعَ نسوةُ بَني المغيرةِ يبكينَ عليهِ فقيلَ لعُمرَ أرسل إليهنَّ ، فانهَهُنَّ فقالَ : ما عليهنَّ أن يُهْرقنَ دموعِهِنَّ على أبي سُلَيْمانَ ما لم يَكُن نَقعٌ أو لقلَقةٌ . ( صحيح ) .
وفي رواية اخرى بإسناد حسن : لَمَّا حَضَرَتْ خَالِداً الوَفَاةُ، قَالَ: لَقَدْ طَلَبْتُ القَتْلَ مَظَانَّهُ، فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي إِلاَّ أَنْ أَمُوْتَ عَلَى فِرَاشِي، وَمَا مِنْ عَمَلِي شَيْءٌ أَرْجَى عِنْدِي بَعْدَ التَّوْحِيْدِ مِنْ لَيْلَةٍ بِتُّهَا وَأَنَا مُتَتَرِّسٌ، وَالسَّمَاءُ تُهِلُّنِي، نَنْتَظِرُ الصُّبْحَ حَتَّى نُغِيْرَ عَلَى الكُفَّارِ. ثُمَّ قَالَ: إِذَا مِتُّ، فَانْظُرُوا إِلَى سِلاَحِي وَفَرَسِي، فَاجْعلُوْهُ عُدَّةً فِي سَبِيْلِ اللهِ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ، خَرَجَ عُمَرُ عَلَى جِنَازَتِهِ، فَذَكَرَ قَوْلَهُ: مَا عَلَى آلِ الوَلِيْدِ أَنْ يَسْفَحْنَ عَلَى خَالِدٍ مِنْ دُمُوْعِهِنَّ، مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعاً أَوْ لَقْلَقَةً . الإصابة .
من كراماته رضي الله عنه :
قَالَ خَالِدٌ: مَا أَدْرِي مِنْ أَيِّ يَوْمَيَّ أَفِرُّ: يَوْمَ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُهْدِيَ لِي فِيْهِ شَهَادَةً، أَوْ يَوْمَ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُهْدِيَ لِي فِيْهِ كَرَامَةً. فقد كان مستجاب الدعوة فمن كراماته رضي الله عنه :
عن خيثمة بن عبدالرحمن قال : أتى خالدَ بن الوليد رجلٌ معه زِقُّ خَمرٍ، فقال: اللهمَّ اجعله عسلًا فصار عسلًا . ( السيوطي بسند صحيح ) .
وعن خيثمة قال : مُرَّ على خالدِ بن الوليدِ بزِقِّ خمرٍ فقالَ: أيُّ شيءٍ هذا؟ فقالوا: خلٌّ. فقالَ: جعَلهُ اللَّهُ خلَّا فنظروا فإذاَ هوُ خلٌّ وقد كانَ خمرًا . ( صحيح )
عن أبو السفر الهمداني قال : نزلَ خالدُ بنُ الوليدِ الحيرةَ فقالوا لهُ : احذرِ السُّمَّ لا يسقيكَهُ الأعاجِمُ فقالَ : ائتوني بهِ فأُتِيَ بهِ فأخذهُ بيدِهِ ثمَّ اقتحمَهُ وقالَ : بسمِ اللَّهِ. فلم يضرَّه . ( رجاله رجال الصحيح ) .
رضي الله عن سيف الله ولا نامت أعين الجبناء ..