قال ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد إلى هدي خير العباد:
فأَعْظَمُ أَسْبَابِ شَرْحِ الصَّدْرِ التَّوْحِيد، وَعَلَى حَسَبِ كَمَالِهِ وَقُوَّتِهِ وَزِيَادَتِهِ يَكُونُ انْشِرَاحُ صَدْرِ صَاحِبِه ِ. قَالَ الله تَعَالَى: {أَفَمَنْ شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: 22]. فَالْهُدَى وَالتَّوْحِيدُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ شَرْحِ الصّدْرِ ، فَيُصِيبُ الْعَبْدَ مِنِ انْشِرَاحِ صَدْرِهِ بِحَسَبِ نَصِيبِهِ مِنْ هَذَا النُّورِ ُ.
الْعِلْم، فَإِنَّهُ يَشْرَحُ الصَّدْر َ، وَيُوَسِّعُهُ حَتَّى يَكُونَ أَوْسَعَ مِنَ الدُّنْيَا َ، فَكُلَّمَا اتَّسَعَ عِلْمُ الْعَبْدِ انْشَرَحَ صَدْرُهُ وَاتَّسَع َ، وَلَيْسَ هَذَا لِكُلِّ عِلْم ٍ، بَلْ لِلْعِلْمِ الْمَوْرُوثِ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وَهُوَ الْعِلْمُ النَّافِع ُ، فَأَهْلُهُ أشرح الناس صدراً .
الْإِنَابَةُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَمَحَبَّتُهُ بِكُلِّ الْقَلْبِ وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهِ وَالتَّنَعُّمُ بِعِبَادَتِه ِ، فَلَا شَيْءَ أَشْرَحُ لِصَدْرِ الْعَبْدِ مِنْ ذَلِكَ ٍ..
…………
وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ضِيقِ الصَّدْر
ِ الْإِعْرَاضُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَتَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِغَيْرِه ِ، وَالْغَفْلَةُ عَنْ ذِكْرِه ِ، وَمَحَبَّةُ سِوَاه ُ، فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا غَيْرَ اللَّهِ عُذِّبَ بِهِ ، وَسُجِنَ قَلْبُهُ فِي مَحَبَّةِ ذَلِكَ الْغَيْر ِ، فَمَا فِي الأرضِ أَشْقَى مِنْه ُ، وَلَا أَكْسَفُ بَالًا ، وَلَا أَنْكَدُ عَيْشًا ، وَلَا أَتْعَبُ قَلْبًا ، فَهُمَا مَحَبَّتَانِ ، مَحَبَّةٌ هِيَ جَنَّةُ الدُّنْيَا ، وَسُرُورُ النَّفْس ِ، وَلَذَّةُ الْقَلْب ِ، وَنَعِيمُ الرُّوحِ وَغِذَاؤُهَا وَدَوَاؤُهَا ، بَلْ حَيَاتُهَا وَقُرَّةُ عَيْنِهَا ، وَهِيَ مَحَبَّةُ اللَّهِ وَحْدَهُ بِكُلِّ الْقَلْب ِ، وَانْجِذَابُ قُوَى الْمَيْلِ وَالْإِرَادَةِ ، وَالْمَحَبَّةُ كُلُّهَا إِلَيْه ِ.
وَمَحَبَّةٌ هِيَ عَذَابُ الرُّوح ِ، وَغَمُّ النَّفْس ِ، وَسِجْنُ الْقَلْب ِ، وَضِيقُ الصَّدْرِ ، وَهِيَ سَبَبُ الألم وَالنَّكَدِ وَالْعَنَاء ِ، وَهِيَ مَحَبَّةُ مَا سِوَاهُ .
وَالْمَقْصُود أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله علَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَكْمَلَ الْخَلْقِ فِي كُلِّ صِفَةٍ يَحْصُلُ بِهَا انْشِرَاحُ الصَّدْر ِ، وَاتِّسَاعُ الْقَلْب ِ، وَقُرَّةُ الْعَيْن ِ، وَحَيَاةُ الرُّوح ِ، فَهُوَ أَكْمَلُ الْخَلْقِ فِي هَذَا الشَّرْحِ وَالْحَيَاةِ وَقُرَّةِ الْعَيْنِ مَعَ مَا خُصَّ بِهِ مِنَ الشَّرْحِ الْحِسِّي ِّ، وَأَكْمَلُ الْخَلْقِ مُتَابَعَةً لَه ُ، أَكْمَلُهُمُ انْشِرَاحًا وَلَذَّةً وَقُرَّةَ عَيْنٍ ، وَعَلَى حَسَبِ مُتَابَعَتِهِ يَنَالُ الْعَبْدُ مِنَ انْشِرَاحِ صَدْرِهِ وَقُرَّةِ عَيْنِهِ وَلَذَّةِ رُوحِهِ مَا يَنَالُ ، فَهُوَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذُرْوَةِ الْكَمَالِ مِنْ شَرْحِ الصَّدْرِ وَرَفْعِ الذِّكْرِ وَوَضْعِ الْوِزْر ، ولأتباعه ِمِنْ ذَلِكَ بِحَسَبِ نَصِيبِهِمْ مِنَ اتِّبَاعِه والله الْمُسْتَعَانُ.